وتتحدّث الآية التالية عن الأشخاص في المقابلة للمؤمنين ،وتصف واحدة من أخطر حالاتهم فتقول: ( إنّ الذين لا يؤمنون بالآخرة زيّنا لهم أعمالهم فهم يعمهون ) .أي حيارى في حياتهم .
فهم يرون الملوّث نقيّاً ،والقبيح حسناً ،والعيب فخراً ،والشقاء سعادةً وانتصاراً !.
أجل ،هذا حال من يسلك الطريق المنحرف ويتوغل فيها ...فواضح أن الإنسان حين يقوم بعمل قبيح .فإنّ قبحه يخف تدريجاً ،ويعتاد عليه ،وعندما يتطبع عليه يوجههُ ويبرره ،حتى يبدو له حسناً ويعدّه من وظائفه !وما أكثر الذين تلوثت أيديهم بالأعمال الإجرامية ...وهم يفتخرون بتلك الأعمال ويعدونها أعمالا إيجابيّة .
وهذا التغير في القِيمَ ،أو اضطراب المعايير في نظر الإنسان ،يؤدي إلى الحيرة في متاهات الحياة ...وهو من أسوأ الحالات التي تصيب الإنسان .
والذي يلفت النظر أنّ «التزيين » في الآية محل البحثوفي آية أُخرى من القرآن ،وهي الآية ( 108 ) من سورة الأنعام ،نسب إلى الله سبحانه ،مع أنّه نُسب في ثمانية مواطن إلى الشيطان ،وفي عشرة أُخَر جاء بصيغ الفعل المجهول ( زُيّنَ ) ولو فكرنا بإمعانوأمعنا النظر ،لوجدنا جميع هذه الصور كاشفة عن حقيقة واحدة !
فأمّا نسبة التزيين إلى الله ،فلأنّه «مسبب الاسباب » في عالم الإيجاد ،وما من موجود مؤثر إلاّ ويعود تأثيره إلى الله .
أجل ،إنّ هذه الخاصية أوجدها الله في تكرار العمل ليتطبّع عليه الإنسان ...ويتغير حسُّ التشخيص فيه دون أن تسلب المسؤولية عنه ،أو أن تكون نقصاً في خلقة الله أو إيراداً عليه ( لاحظوا بدقّة ) .
وأمّا نسبة التزيين إلى الشيطان ( أو هوى النفس ) فلأن كلاّ منهما عامل قريب و بغير واسطة للتزيين .
وأمّا مجيء التزيين بصورة الفعل المبني للمجهول ،فهو إشارة إلى أنّ طبيعة العمل يقتضي أن يوجدعلى أثر التكرارحالة وملكة وعلاقة وعشقاً !!
/خ6