إذ ظرف دال على الزمان ، وهو متعلق بتلقي في الآية السابقة ، أي أنك تتلقى القرآن من حكيم عليم صادق في الوقت الذي جرت فيه أحداث قصة موسى وفرعون ، فهي قصة صادقة من لدن حكيم عليم ، وهو الله سبحانه الذي أحاط بكل شيء علما .
ونجد أن قصة موسى هنا في جملتها ليست مكررة مع غيرها ، وقد فصلت جزءا لم يفصل في موضع آخر ، فصل فيه بعض حياته مع أهله ، وفصل فيه لقاءه بربه ، والكلام الذي كان بينهما ، وذكر ارتباطه بالرسالة ، ودليلها وهو العصا وإخراج اليد من الجيب بيضاء من غير سوء ، وكونها في تسع آيات قدمها لفرعون برهانا على الرسالة ، وإذا كانت بعض الأمور ذكرت مكررة كالعصا ، فلأن المقام اقتضاها ، وليست ثابتة بالقصد الأول ، بل هي جاءت تابعة لإثبات الرسالة لموسى نفسه ، لا لإثباتها لغيره ، وهو فرعون وقومه ، أي لإثبات أن الذي يخاطبه من وراء الشجرة ربه ، لا أحد غيره .
كان موسى وأهله في ليلة ليلاء قرور شديد بردها ، يلتمسون ما يستدفئون من نار ، فنظر في الجو ،فحسب أنه رأى نارا فقال لأهله:إني آنست نارا أي رأيت نارا قال وهو يتمناها ، ويرعاها ، كقوله تعالى:{ فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ( 6 )} [ النساء] ،{ سَآتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُم بِشِهَابٍ قَبَسٍ} أي إني ذاهب إليها لعلي آتيكم منها بخبر نستفيد منه علم ما لم نكن نعلم ، أو شهاب ، والشهاب هو الشعلة المشتعلة من نجم أو نار أو نحوهاوقبس بدل أو عطف بيان ، والقبس هو القطعة من جذوة النار ، أي آتيكم بقطعة من النار شديدة الاشتعال فنلقيها حول أحطاب نستدفئ منها ، وهذا معنى{ لعلكم تصطلون} أي تستدفنون بها ، فيقال من صلى قلبت التاء طاء ، لأنها من حروف الإطباق أي رجاء أن تستدفئوا ، ومؤدي ذلك أنهم كانوا في برد شديد ، وهكذا عاش من تربى في بيت فرعون فهو يذوق الحر والبرد في صحراء ، في هذا الوقت ، وفي هذه الشديدة ، بعث موسى عليه السلام .