قصة موسى عليه السلام
{إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون( 7 ) فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها وسبحان الله رب العالمين( 8 ) يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم( 9 ) وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون( 10 ) إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء فإني غفور رحيم( 11 ) وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء في تسع آيات إلى فرعون وقومه إنهم كانوا قوما فاسقين( 12 ) فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين( 13 ) وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين( 14 )}
المفردات:
آنست: أبصرت إبصارا حصل لي به أنس .
بخبر: عن الطريق وحاله .
بشهاب: بشعلة نار .
قبس: قطعة من النار مقبوسة ،ومأخوذة من أصلها .
تصطلون: تستدفئون بها ،قال الشاعر:
النار فاكهة الشتاء فمن يرد *** أكل الفواكه شاتيا فليصطل
التفسير:
{إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون} .
كان موسى عليه السلام قد خرج من مصر حين علم أن الملأ من قومها يأتمرون به ليقتلوه ،فخرج إلى سيناء وانتهى في رحلته إلى مدين ،حيث عمل أجيرا عند شعيب في مقابل تزويجه إحدى ابنتيه ،فلما قضى عشر سنين في أرض مدين ،حنّ للرجوع إلى مصر ،وسار بأهله ،فأدركها المخاض عند الطور فوضعت في ليلة شاتية باردة ،وكان قد حاد عن الطريق لأمر شاءه الله تعالى .
وقد أصبح بحاجة إلى أمرين:
أحدهما: أن يجد من يرشده إلى الطريق الموصل إلى مصر .
ثانيهما: أن يوقد نارا ليستدفئ هو وأهله .
قال تعالى:{فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون} [ القصص: 29] .
{إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا ..}
تأتي هذه الآية عقب قوله تعالى:{وإنك لتلقى القرآن من لدن حكيم عليم} [ النمل: 6]
أي: لست بدعا من الرسل ،ولست وحدك الذي تلقيت وحي السماء إلى الأرض ،فاذكر فضلا مشابها حين سار موسى من مدين إلى مصر ليلا ،في طريق مظلم قرب الطور ،فآنس نارا في ظلام الليل ،وكانت النار توقد ليلا لأمرين:
1-إكرام الضيف .
2-هداية الساري بالليل .
ومن ذلك قول حاتم الطائي لغلامه:
-إن الليل ليل قرّ ،والريح يا غلام ريح صر ،فإن جلبت ضيفا فأنت حرّ .
أدرك موسى النار وقد فرح برؤيتها ،وقال لزوجته: إني آنست نارا قد سررت لرؤيتها ،فامكثوا في مكانكم ،وسأذهب إلى هذه النار:{سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون}
لقد سررت برؤية النار وتوقعت عندها الخير فامكثوا في مكانكم ،لأذهب إليها ،حتى أسأل عن الطريق الموصل إلى مصر ،وأحضر منها قبسا1 نستدفئ به في قرّ الصحراء ،ومضى موسى إلى النار ،التي آنسها ينشد خبرا ،فإذا هو يتلقى النداء الأسمى .