{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد}اغتر المشركون بأموالهم وأولادهم وقوتهم في الأرض ،فكفروا وعتوا عتوا كبيرا ؛فبين الله سبحانه وتعالى انهم سيغلبون في هذه الدنيا ،وأنهم في الآخرة سيحشرون إلى جهنم ؛ولذا أمر الله سبحانه وتعالى نبيه ان يقول فيهم هذه الحقيقة فقال سبحانه:{ قل للذين كفروا} .
فهذه الآية الكريمة إنذار للمشركين بأن الهزيمة ستلحقهم في الدنيا ، وان العذاب سيستقبلهم في الآخرة .وقد امر الله سبحانه نبيه بان يواجههم بهذا الخطاب ،ولم يوجهه سبحانه وتعالى إليهم ؛لأن أولئك المغترين المفتخرين كانوا يدلون بقوتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ،ويعتزون بها في مخاطبته صلى الله عليه وسلم ،فكانوا يقولون له:{ نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين35} [ سبأ] .وكانوا يأخذون من عزتهم في الدنيا دليلا على عزتهم في الآخرة ،فكان حالهم كحال هذا العامل الذي حكى الله سبحانه عنه بقوله:{ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن ان تبيد هذه أبدا35 وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت على ربي لأجدن خيرا منها منقلبا36}[ الكهف]وهكذا الطبيعة الإنسانية عن استغنت طغت في حاضرها ،وغرها الغرور في قابلها:{ كلا إن الإنسان ليطغى6 ان رآه استغنى7}[ العلق] .
وإذا كانوا يجابهون النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فإن يكون من المناسب ان يتولى هو الرد ،وهو الذي جرد من المال والولد ،ولا ناصر له إلا الله سبحانه وتعالى .
وإن ذلك الاغترار كان من المشركين واليهود الذين كانوا يجاورون النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ،وقد جابهوا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما دعاهم إلى الإسلام بعد واقعة بدر التي انتصر فيها المسلمون ؛فإنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم جمعهم في سوق بني قينقاع ،وقال لهم:"يا معشر اليهود ،احذروا مثل ما نزل بقريش ،وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم ،فقد عرفتم انى نبي مرسل".فقالوا:لا يغرنك انك لقيت أقواما أغمارا لا يعرفون القتال ،إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أننا نحن الناس ،وانك لم تلق مثلنا{[455]} .
وإذا كان الاغترار من الفريقين فإنه يصح ان نقول عن الخطاب للكفار جميعا الذين يغترون مثل هذا الغرور ،وخصوصا ان النبي صلى الله عليه وسلم امر بأن يخاطب بهذا الذين كفروا ،سواء أكانوا من هؤلاء ام كانوا من أولئك ،وإن الكفر بالحقائق الواضحة البينة التي تدركها العقول السليمة يكون سببه دائما اغترار بأمر مادي مسيطر على النفس يجعل عليها غشاوة فلا يدرك العقل ،ولا يؤمن القلب .
وهنا يرد بحث لغوي وهو:لماذا ادخل السين في قوله تعالى:{ ستغلبون}ولم يقل تعالت كلماته:ستحشرون ؟ .
والجواب عن ذلك:ان السين لتأكيد القول ،والذي كان موضع شك عند هؤلاء هو كون النبي صلى الله عليه وسلم سيهز مهم في الدنيا ،والحشر قد أكده سبحانه وتعالى في كثير من آي الكتاب .وفوق ذلك فإن السين مقدرة في تحشرون باعتبارها معطوفة على"ستغلبون"والعطف على نية تكرار العامل .
ولقد أشار سبحانه إلى ان الحشر سيكون تجميعا للكفار يساقون بعده على نار جهنم ،وجهنم هي الجزء العميق في النار ؛ لأنه بعد الحشر يكون السوق على نار جهنم وتعدت كلمة يحشرون ب"إلى"؛إذ قد تضمنت مع معنى التجمع معنى السوق والأخذ إلى نار جهنم .ثم أشار سبحانه إلى شدة العذاب بقوله تعالى:{ وبئس المهاد}أي انها ليست مقاما محمودا بالنسبة لهم ،بل هي مقام مذموم منهم يصح ان يقال فيه بالنسبة لهم{ بئس المهاد}فجهنم ليست موضع ذم في ذاتها باعتبارها دار جزاء عادل ،ولا يذم الجزاء العادل ولو كان قاسيا ،ولكن هي موضع الذم ممن ينزل به لأنه سيتلقى قسوته .ومعنى المهاد:الفراش المبسوط السهل اللين المريح ،فيقال:مهد الرجل الأمر بسطه وهيأه واعده ،وعلى هذا فالتعبير فيه نوع من التهكم بهم ،إذ هي لا تكون أمرا ممهدا .