{ قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد} قرأ حمزة والكسائي"سيغلبون ويحشرون "بياء الغيبة والباقون بتاء الخطاب .وهذا الكلام تأكيد لمضمون ما قبله ، أي قل يا محمد لهؤلاء المغرورين بحولهم وقوتهم المعتزين بأموالهم وأولادهم أنكم ستغلبون في الدنيا وتعذبون في الآخرة .قال الأستاذ الإمام كان الكافرون يعتزون بأموالهم وأولادهم فتوعدهم الله تعالى وبين لهم أن الأمر ليس بالكثرة والثروة وإنما هو بيده سبحانه وتعالى .أقول:يشير إلى مثل قوله تعالى:{ وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن بمعذبين} [ سبأ:35] وكانوا يرون أن كثرة أموالهم وأولادهم تنفعهم في الآخرة ، إن كان هناك آخرة ، كما تنفعهم في الدنيا ، وأنه تعالى يعطيهم في الآخرة كما أعطاهم في الدنيا كما حكاه عنهم في قوله:{ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا * أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا} [ الشمس:77 78] إلخ وكقوله في صاحب الجنة أي البستان{ ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا * وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} [ الكهف:2526] وقد رد القرآن شبهتهم ودعواهم في غير ما موضع .
أما غرورهم بأموالهم وأولادهم في الدنيا وحسبانهم أنهم يكونون بها غالبين أعزاء دائما فذلك معهود وشبهته ظاهرة .وأما زعمهم أنهم يكونون كذلك في الآخرة فهو منتهى الطغيان الذي بينه الله تعالى في قوله:{ إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى} [ الحاقة:6] .وقد أنفذ الله وعيده الأول في أولئك الكافرين فغلبوا في الدنيا .قيل إن الخطاب لليهود وقد غلبهم المسلمون فقتلوا بني قريظة الخائنين وأجلوا بني النضير المنافقين وفتحوا خيبر ، وقيل هو للمشركين وقد غلبهم المؤمنون يوم بدر ، وأتم الله نعمته بغلبهم يوم الفتح ، ولم تغني عن الفريقين أموالهم ولا أولادهم .وسينفذ وعيده بهم في الآخرة فيحشرون إلى جهنم{ وبئس المهاد} ما مهدوا لأنفسهم أو بئس المهاد جهنم .المهاد:الفراش يقال مهد الرجل المهاد إذا بسطه ويقال مهد الأمر إذا هيأه وأعده .وجعل بعضهم جملة"وبئس المهاد "محكية بالقول أي ويقال لهم بئس المهاد .