{ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين124 بلى عن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فورهم هذا يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة مسومين125 وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم126 ليقطع طرفا من الذين كفروا او يكبتهم فينقلبوا خائبين127}
اختلف المفسرون في هذه الآيات ، أهي في غزوة بدر الكبرى التي جعل الله فيها الكلمة العليا للمسلمين ، والكلمة السفلى للمشركين ، والتي خرجت بالمؤمنين من حال الضعف في الأرض إلى حال القوة فيها ؟ أم هي في غزوة احد التي اختير الله المؤمنين إذ لم يتبعوا امر الله تعالى الذي يتضمن الطاعة للرسول ولولي المر ، فبين لهم سبحانه وتعالى نتيجة المخالفة بذلك الاختبار الشديد ، قال بعض المفسرين:إن الآية في غزوة بدر الكبرى ، لأن الله تعالى يقول قبل هذا الآية مباشرة:{ لقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون} .
فقد ذكر النصر مجملا في هذه الآية فيكون ما بعدها تفصيلا لمجملها ، وتكون هذه الآيات الكريمة التي نتكلم في معانيها السامية بيانا لأسباب هذا النصر ، وهذا يتفق مع السياق .
وقال أكثر المفسرين:إن هذه الآيات في غزوة احد ،فقوله:{ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين124}[ آل عمران] في موضع البيان او البدل من قوله تعالى:{ إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون122}[ آل عمران] .
إن الرواية تؤيد ذلك إذ روى عن كثيرين من التابعين ان إمداد الله بالملائكة كان في بدر بألف ، كما قال تعالى:{ إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين9} [ الأنفال] . وقد ذكر الضحاك في قوله تعالى:{ ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف} أن هذا كان موعدا من الله يوم احد ،عرضه الله على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وقد روى ان المجاهدين قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهم ينظرون المشركين:أليس الله تعالى يمدنا كما أمدنا يوم بدر ، فقال رسول الله{ ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة} .
ويرجح شيخ المفسرين ابن جرير ان هذه الآية في غزوة احد .
وإنا نختار ذلك الرأي ؛لأن الآيات من بعد ذلك ستتكلم على نتائج غزوة احد في تفصيل بين ، وما كانت الإشارة إلى بدر إلا من قبيل التذكير في أثناء القتال أنتجت ذلك القرح الذي أصاب المسلمين في تلك غزوة وهي أحد:{ إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} .
على الرأي المختار وهو انها في غزوة احد تكون كلمة"إذ"ظرف زمان بدل من"إذ"في قوله تعالى:{ إذ همت طائفتان منكم ان تفشلا والله وليهما} ففي هذا النص السامي بيان حال الوهن الذي أصاب بعض المؤمنين ، وفي هذه الآيات التي نتكلم في معناها ، عمل الله ونبيه على علاج هذا الوهن ، وهو بالبشرى التي يزفها لهم من تأييد لهم بالملائكة ينزلون إليهم . وإن ذكر عدد الملائكة هنا مناسب لعدد المشركين ؛لأن عدد المشركين كان نحو ثلاثة آلاف أو يزيدون ، وعدد المسلمين كان نحو ألف ؛ انخذل منهم نحو ثلثهم قبل القتال ، وهم أولئك الذين اتبعوا رأس النفاق عبد الله بن أبي ، كما ان عدد الملائكة كان مساويا لعدد المشركين كانوا نحو ألف ، وعدد المؤمنين نحو ثلاثمائة ، وإن هذا مما يزكي ان الآية التي نتكلم في معانيها السامية نزلت في غزوة أحد .
وقوله تعالى على لسان نبيه:{ ألن يكفيكم ان يمدكم}تومئ إلى ان حالا من الخور قد اعترت نفوس بعض المحاربين ، إذ إن الاستفهام كان منصبا على ( لن ) التي تفيد النفي المؤكد ، والمعنى:امن المؤكد انه لا يكفيكم ان يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين ، وهذا فرق ما بين الاستفهام إذا دخل على"لا"والاستفهام إذا دخل على "لن"فالأول استفهام منصب على نفي غير مؤكد ، والثاني استفهام منصب على نفي مؤكد ، وذلك يدل على خور قد اعترى بعضهم ، فكانت الحال في الابتداء عن بعض المحاربين تومئ إلى احتمال هزيمة .