{ هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين}الإشارة في النص السامي إلى ما تضمنته الآية السابقة من الحث على السير في الأرض وتعرف سنن الله تعالى من آثار المكذبين الذين طغوا اولا ثم ذلوا واخذوا من حيث لا يحتسبون- وقد ذكر أن هذا بيان للناس أجمعين ، ويدركه كل من له بصر يبصر به ، وفهم يفهم به ، وتحقق البيان لا يقتضى تحقق أثره وهو المعرفة التي تهدى إلى الإيمان وتوجب الاتعاظ ، غنما تكون الهداية من البيان والاتعاظ به للمتقين دون غيرهم ، ولذلك جعل سبحانه البيان للناس جميعا ، والهداية والموعظة للمتقين منهم فقط ؛ إذ إن الهداية بالبيان تقتضي إشراقا روحيا ، واستعدادا قلبيا ، وإخلاصا في طلب الحقيقة ، والموعظة وهي الاستفادة من العبر ، تقتضي قلبا متفتحا لإدراك الحقائق والاتجاه إليها بقصد سليم ، وذلك كله لا يتوافر إلا للمتقين الذين اخلصوا انفسهم لله ، وطلبوا الحق ، وسلكوا سبيله لا يبغونه عوجا ، ومثل البيان مثل البذر يلقى في الأرض ، فإذا أصاب صحراء قاحلة جف ولم ينتج ، وإذا أصاب أرضا خصبة انبتت نباتا حسنا ، وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم العلم بالغيث وبين اختلاف الناس في تلقيه ، فقال:"مثل ما بعثني الله كمثل الغيث الكثير أصاب أرضا ، فكان منها طائفة طيبة قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكان منها أجاذب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا وسقوا وزرعوا ، وأصاب منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ ، فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به ، فعلم وعمل ، ومثل من لم يرفع رأسا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"{[576]} .