وإن التسوية بين الجزاء والعمل هي القانون العادل الذي سنه رب العالمين ، فلا تستوي الحسنة ولا السيئة ، ولا يستوي الخير والشر ولذا قال سبحانه:{ أفمن اتبع رضوان الله كمن باء بسخط من الله} .
هذا هو القانون السامي الذي وضعه سبحانه ، وهو التساوي بين العمل وجزائه ، وأنهم لا يتساوون في ذات انفسهم ، وفي الجزاء إذا اختلفت أعمالهم ، ويفيد النص أن الجزاء يتحد إذا اتحد العمل ، ويختلف إذا اختلف العمل ، وفي النص الكريم عدة إشارات بيانية:
الأولى:انه ساق الكلام مساق الاستفهام الإنكاري الذي يفيد النفي أي إنكار الوقوع ، وهذا يفيد ان ذلك القانون بدهي لا تختلف فيه العقول ، بحيث لو سئل كل واحد من الناس عن ذلك لأجاب بأنه لا يستوي من اتبع رضوان الله ، مع من يبوء بغضب الله .
والثانية:ان الله سبحانه وتعالى سمى الأمناء الذين لا يغلون ولا يخونون في أي شيء ، وخصوصا في الغنائم:يتبعون رضوان الله تعالى ، وذلك لنهم يخرجون مجاهدين في سبيل الحق ورفع كلمة الله وقد قدموا انفسهم لمرضاته ، وكانوا ممن شروا انفسهم لله ، ومن المؤمنين الذين اشترى الله سبحانه وتعالى انفسهم ، وفي ذلك رضوان الله تعالى ، وهو أعظم جزاء في الدنيا والآخرة .
والثالثة:انه عبر عن الذين يغلون ويخونون بأنهم يبوءون أي يعودون على انفسهم بسخط الله تعالى ، والسخط ليس هو الغضب المجرد ، بل هو الغضب الذي يصحبه أو يترتب عليه العقاب ، وفرق بين عملين:احدهما يجلب أبلغ الرضا ، وثانيهما يجلب أبلغ الغضب وأشد العقاب ، وإن ذكر هذه المقابلة ليعرف الذين يغلون بالغنائم انهم لا يكسبون ما يخسرونه أضعاف ما يكسبون من عرض لا بقاء له ، والعبرة بفاضل ما بين الكسبين ، اما الذين قد اختاروا الأمانة سبيلا ، فإنهم لا يخسرون شيئا ، لأن مال الخيانة لا يعد كسبا ، بل هو سحت لا كسب فيه ، ومع انهم لا يخسرون شيئا ، وكسبهم عظيم لا حد له ، وهو رضوان الله تعالى .
والرابعة:انه سبحانه عبر عن إتباع أوامر الله ونواهيه باتباع رضوانه ، لأن الطاعة المخلصة تؤدي إلى رضوانه سبحانه وتعالى ، فطلب رضا الله في طاعته .
ولقد عقب سبحانه سخطه بذكر عقابه ؛ لأن السخط والعقاب متلازمان ، كما اشرنا ؛ ولذا قال سبحانه:{ ومأواه جهنم وبئس المصير} أي أن عودتهم بغضب الله الشديد يتبعه حتما ذلك المصير يوم القيامة ، وهو ان يكون المستقر الذي يستقرون فيه وينتهون إليه ، هو جهنم ، وهي الهاوية التي يهوون إليها في النار ، جزاء هاوية الخيانة التي أصابتهم في الدنيا ، وبئس ذلك المصير الذي صاروا إليه ، وكان لهم نهاية ، وإن لم يريدوه لهم غاية .
وإن نتيجة عدم التساوي بين من يتبع رضوان الله تعالى ويطلبه بإقامة الطاعات على وجهها الأكمل ، ومن يختارون الشر سبيلا- هي ان يكون الناس درجات بحسب مقدار طلب الرضوان ، ومقدار إتباع السخط ، ولذا قال سبحانه:{ هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون} .