التّفسير:
المتخلفون عن الجهاد:
تضمنت الآيات السابقة الحديث عن شتى جوانب معركة «أُحد » وملابساتها ونتائجها ،وقد جاء الآن دور المنافقين وضعاف الإيمان من المسلمين الذين تقاعسوا عن الحضور في «أُحد » تبعاً للمنافقين ،لأننا نقرأ في الأحاديث أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عندما أمر بالتحرك إلى «أُحد » تخلف جماعة من المنافقين عن التوجه إلى الميدان بحجة أنه لن يقع قتال ،وتبعهم في ذلك بعض المسلمين من ضعاف الإيمان ،فنزل قوله تعالى ( افمن اتبع رضوان الله ) ولبى نداء النبي واتبع أمره بالخروج ( كمن باء بسخط من الله ومأواه جهنم وبئس المصير ) .
ثمّ يقول تعالى: ( هم درجات عند الله ) أي أن لكل واحد منهم درجة بنفسه ومكانة عند الله ،وهو إشارة إلى أنه لا يختلف المنافقون عن المجاهدين فقط ،بل إن لكلّ فرد من أفراد هذين الطائفتين درجة خاصة تناسب مدى تضحيته وتفانيه في سبيل الله أو مدى نفاقه وعدائه لله تعالى ،وتبدأ هذه الدرجات من الصفر وتستمر إلى خارج حدود التصوّر .
هذا وقد نقل في رواية عن الإمام علي بن موسى الرضا ( عليه السلام ) أنه قال: «الدرجة ما بين السماء والأرض »{[682]} .
وجاء في حديث آخر «إن أهل الجنة ليرون أهل عليين كما يرى النجم في أُفق السماء »{[683]} بيد أننا يجب أن نعلم أن «الدرجة » تطلق عادة على تلك الوسيلة التي يرتقي بها الإنسان ويصعد إلى مكان مرتفع ،في حين أن الدرجات التي يستخدمها الإنسان للنزول من مكان مرتفع إلى مكان منخفض تسمى «دركاً » ولهذا جاء في شأن الأنبياء ( عليهم السلام ) في سورة البقرة الآية 253 ( ورفع بعضهم درجات ) وجاء في حقّ المنافقين في سورة النساء الآية 145 ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) ولكن حيث كان البحث في الآية الحاضرة حول كلا الفريقين غلب جانب المؤمنين ،فكان التعبير بالدرجة دون غيرها إذ قيل ( هم درجات عند الله ) .
ثمّ يقول سبحانه في ختام هذه الآية ( والله بصير بما يعملون ) أي أنه سبحانه عالم بأعمالهم جميعاً فهم يعلم جيداً من يستحق أية درجة من الدرجات ،بحيث تليق بنيته وإيمانه وعلمه .