{ هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون} الدرجة هي الرتبة والمنزلة ، ومنها الدرج بمعنى السلم ؛ لأنه يعلى عليه رتبة بعد رتبة ، وأكثر ما تكون كلمة الدرجة في القرآن بمعنى المنزلة الرفيعة ، ومن ذلك قوله تعالى:{ ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات . . .32}[ الزخرف] وأما المنزلة غير الرفيعة فيعبر سبحانه بالدركة ؛ ولذا يقول سبحانه:{ إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا145}[ النساء] ولقد قال الراغب الأصفهاني في المفردات"الدرك كالدرك ، ولكن الدرج يقال اعتبارا بالصعود ، والدرك اعتبارا بالحدور ، ولهذا قيل درجات الجنة ، ودركات النار".
والضمير في قوله تعالى:{ هم درجات} يعود على الفريقين الذين اتبعوا رضوان الله تعالى ، والذين اتبعوا سخطه سبحانه ، وإطلاق"درجات"على الفريقين وفيهم الأشرار من قبيل التغليب ، وهو تغليب له مغزاه ؛ إذ هو تغليب الخير على الشر ، وتغليب رضا الله على سخطه ، وتغليب الأبرار على الفجار ، وإن الآية الكريمة تشير إلى معنى جليل ، وهو تفاوت درجات الأبرار ، وتفاوت دركات الأشرار ، فالذين يسيرون في الخط الذي رسمه الله تعالى لطاعته متفاوتون في مقدار ما يقطعونه من ذلك الطريق النوراني الذي ينتهي بطاعته سبحانه وهم بذلك درجات عند الله تعالى بمقدار أتباعهم ما فيه رضوانه ، وهو الأوامر والنواهي ، والآخرون متفاوتون في مقدار انهوائهم في الشر بمقدار ما يخالفون امر الله ونواهيه ، وإن تلك الدرجات المتفاوتة هي نتيجة العمل ، ولذا قال سبحانه:{ والله بصير بما يعملون} أي ان الله سبحانه وتعالى يعلم عمل كل إنسان علم من يراه ويبصره ، فلا يغيب عنه سبحانه مثقال ذرة في السماء ولا في الأرض ، وغنه سبحانه سيجزي كل نفس بما كسبت ، على مقتضى علمه الكامل ، وغن هذه الدرجات التي يضع الناس فيها هي بمقتضى علمه سبحانه .