وهم الذين قال الله تعالى فيهم:
{ الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح} .
أصل استجابوا:طلبوا الإجابة ، والمعنى هنا انهم عالجوا انفسهم وطلبوا إجابة داعي الله إلى النصر ، فأجابوا ، فالاستجابة لن السين والتاء للطلب تدل على انهم راضوا نفسهم على إجابة الله تعالى ، ونالوا ذلك الشرف العظيم ؛ إذ أجابوا داعي الله ورسوله من بعد ما أصابهم ذلك الجرح ولم ينهنه من قوتهم ، بل استرسلوا في قوة وصبر وعزيمة ، واستثارهم الجرح ولم يضعفهم ، وأنهم أجابوا الداعي فور الواقعة ، فإنه يروى في ذلك انه لما رجع المشركون قالوا( لا محمدا قتلتم ، ولا الكواعب أردفتم{[621]} ، بئسما صنعتم ، ارجعوا ) . فسمع رسول الله بذلك فندب المسلمين ، فانتدبوا حتى بلغوا حمراء الأسد ، ولكن خذل الله المشركين ، وقوى المؤمنين ، فرجع المشركون من حيث جاءوا ، ويروى ان النبي صلى الله عليه وسلم عندما ندب المؤمنين أذن مؤذن رسول الله بطلب العدو ، وأذن مؤذنه"ألا يخرجن معنا إلا من حضر أحدا{[622]} ، فخرجوا فهؤلاء هم الذين استجابوا لله والرسول ، لأنه لم تأخذ الهزيمة من نفوسهم ، وإن أصيبوا بكلوم في أجسامهم ، وقد قال سبحانه وتعالى في جزائهم .
{ للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم} اختص سبحانه وتعالى من أولئك الذين جاهدوا ولم يستشهدوا بعد بان لهم أجرا عظيما ، وهنا يلاحظ ثلاثة أمور:
( أولها ) ان الله لم يذكر الأجر لهم جميعا ، لنهم كانوا احياء ، والحي قد يغير ويبدل ، فكان لا بد من التقييد بالإحسان والتقوى ، أي يستمر على ما هو عليه .
( وثانيها ) ان الإحسان هنا غير التقوى ؛ إذ الإحسان هو إجادة الخطة ، وإتباع المنهج المستقيم في القتال ، وذلك لا بد منه في الانتصار ، والطاعة المطلقة للقائد من إحكام الخطة .
( ثالثها ) ان التقوى- وهي وقاية النفس من الغرض والهوى والاتجاه إلى الله بإخلاص وقلي سليم خال من الشوائب- أساس الأجر العظيم ، والله سبحانه وتعالى بكل شيء عليم .