{ ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض} التمني تصور ما لا حقيقة له وطلب ما لم تتخذ الأسباب لتحصيله ، ويتضمن معنى الطمع فيما في يد الغير ، والحسد له ، وإن ذلك يؤدي إلى شقاء النفس وفساد الخلق والدين ، وإن الله تعالى فضل بعض الناس بالعقل والذكاء ، وبعضهم بالجاه ، وبعضهم بالقدرة على إدارة شئون الدولة ، وبعضهم بفضل من المال . والفضل معناه الزيادة لا ترتيب الدرجات ، فقد يكون المفضول أعلى درجة عند الله ممن زاد عليه . ومعنى النص الكريم:لا تتمنوا ولا تطيعوا وتتطلعوا على ما زاد اله به بعضكم على بعض في المال او الجاه او العمل او الجهاد ، فإن ذلك يجعلكم في اضطراب وبلبال مستمر وقلق دائم يزعجكم ويزعج بكم ، وما كانت الانقلابات الاجتماعية والفتن المخربة إلا بسبب تطلع كل إنسان لما اعطاه الله غيره من فضل ليس عنده ، فذو المال يحسد ذا العقل والتدبير ، والفقير يحسد ذا المال ، وهكذا يكون كل إنسان في انزعاج بسبب تمنيه وتطلعه لما لا يستطيع .
وإن الله سبحانه وتعالى قد سهل عمل الخير لكل إنسان ، وله من نتائج عمله الجزاء على قدر العمل ، وغن التكليف على قدر الطاقة وعلى مقتضى التكوين الإلهي للأشخاص والأنواع ، ولذلك قال سبحانه:
{ للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن} عن للرجال حظا مما اكتسبوا من أعمال قاموا بها من جهاد في سبيله ، وغدارة لشئون المسلمين ، وفصل في الخصومات ، وقيام بالتكليفات العامة ، وللرجال حظ من الأموال بمقدار ما يكلفون من أعمال اجتماعية ، وللنساء نصيب واجر مما اكتسبن ، فلهن جزاء على آلام الحمل وآلام الوضع ، وآلام التربية والسهر على الطفل والرعاية لشئونه ، والصبر على هذه الرعاية ، ولهن الجزاء الأوفى على القيام على مملكة البيت التي هي راعيتها ، ولهن من المال في الميراث بمقدار ما يكلفن من تكليفات اجتماعية ، فليرض كل من الرجال والنساء بحظهم الذي يتفق مع تكوينهم وكل له جزاؤه في الواجبات العامة لكلا الصنفين ، والواجبات الخاصة بأحدهما ، ولا يتمن احد ما ليس له .
{ واسألوا الله من فضله} أي لا تتمنوا ولا تتطلعوا إلى ما لم تتخذوا الأسباب له ، واتجهوا إلى الله تعالى علام الغيوب الرزاق ذي القوة المتين ، واسألوه ما يتفضل به عليكم ، وما يزيدكم به من حظوظ الدنيا والآخرة ، فإنكم عندئذ تطمئنون وتستقر نفوسكم ، ويبعد عنكم القلق والانزعاج ، والله سبحانه هو المعطي الوهاب .
{ إن الله كان بكل شيء عليما}إن الله تعالى ذو الفضل العظيم وهو يعطي من فضله بمقدار علمه وبمقدار تكوينه للأشياء وتقديره لما يصلح ، وغنه سبحانه وزع الأرزاق والمواهب بمقتضى علمه ، فجعل من الناس الغني والفقير ؛ إذ لو كان الناس سواء في الغنى والفقر ما كان من يعمل بيده ويزرع الأرض ، ويقيم العمران وينمي الزرع والحرث ، ولو كان الناس جميعا ذوي مواهب عالية ما وجد من ينفذ ما يفكر فيه أولئك العلماء ، و لو كان الناس جميعا ساسة ما وجد من يسوسونه ، ولكان الاختلاف ولا يكون الناس أمة واحدة ، وإن الناس كهرم قاعدته أوسعه ساحة ، ثم يعلو حتى يضيق أعلاه ، والقاعدة هي أساس البناء ، وإن ذلك التنظيم هو مقتضى العلم ومقتضى النظر ، اللهم إليك الأمر والنهي والتقدير ، قد فوضنا كل أمورنا إليك ، وإنك نعم المولى ونعم النصير .