{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ،فاسئلوا الله من فضله ،إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}
المفردات:
التمني: تشهى حصول الزمر المرغوب فيه ،وحديث النفس بما يكون وما لا يكون .
من فضله: أي: إحسانه ونعمه المتكاثرة .
تمهيد:
بعد أن نهى سبحانه عن أكل الأموال بالباطل ،وعن القتل ،وتوعد فاعلهما بالويل والثبور ،وهما من أفعال الجوارح ؛ليصير الظاهر طاهرا من المعاصي الوخيمة العاقبة- نهى عن التمني ،وهو التعرض لها بالقلب حسدا ؛لتطهر أعمالهم الباطنة فيكون الباطل موافقا للظاهر ،ولأن التمني قد يجر إلى الأكل ،والأكل قد يقود إلى القتل ،فإن من يرتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه .
التفسير:
32- وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ .أي: إن الله كلف كلا من الرجال والنساء أعمالا فما كان خاصا بالرجال لهم نصيب من أجره لا يشاركهم فيه النساء ،وما كان خاصا بالنساء لهن نصيب من اجرة لا يشاركهن فيه الرجال وليس لأحدهما أن يتمنى ما هو مختص بالآخر وقد أراد الله أن يختص النساء بأعمال البيوت ،والرجال بالأعمال الشاقة التي في خارجها ؛ليتقن كل منهما عمله ،ويقوم بما يجب عليه مع الإخلاص .
وعلى كل منهما أن يسأل ربه الإعانة والقوة على ما نيط به من عمل ،ولا يجوز أن يتمنى ما نيط بالآخر ،ويدخل في هذا النهي تمني كل ما هو من الأمور الخلقية كالعقل والجمال ؛إذ لا فائدة في تمنيها لمن لم يعطها ،ولا يدخل فيه ما يقع تحت قدرة الإنسان من الأمور الكسبية ؛إذ يحمد من الناس أن ينظر بعضهم إلى ما نال الآخرون ويتمنوا لأنفسهم مثله أو خيرا منه بالسعي والجد .
والخلاصة: أنه تعالى طلب إلينا أن نوجه الأنظار إلى ما يقع تحت كسبنا ،ولا نوجهها إلى ما ليس في استطاعتنا ،فإنما الفضل بالأعمال الكسبية ،فلا تتمنوا شيئا بغير كسبكم وعملكم .
فعلى المسلم أن يعتمد على مواهبه وقواه في كل مطالبه ،بالجد والاجتهاد مع رجاء فضل الله فيما لا يصل إليه كسبه إما للجهل به وإما للعجز عنه فالزارع يجتهد في زراعته ويتبع السنن والأسباب التي سنها الله لعمله ،ويسأل الله أن يمنع الآفات والجوائح عنه ويرفع أثمان غلاته إلى نحو أولئك مما هو بيد الله .
روى عكرمة: أن النساء سألن الجهاد فقلن: وددنا أن الله جعل لنا الغزو فنصيب من الأجر ما يصيب الرجال ؛فنزلت: وسئلوا الله من فضله .أي: لا تتمنوا نصيب غيركم ،ولا تحسدوا من فضل الله عليكم واسألوا الله من إحسانه وإنعامه ؛فإن خزائنه مملوءة لا تنفذ ،روى أنه صلى الله عليه وسلم قال: '' سلوا الله من فضله ؛فالله يحب أن يسأل وإن من أفضل العبادة انتظار الفرج'' .
إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا .وبذا فضل بعض الناس على بعض بحسب مراتب استعدادهم ،وتفاوت اجتهادهم في معترك الحياة ،ولا يزال العاملون يستزيدونه ولا يزال ينزل عليهم من جوده وكرمه ما يفضلون به القاعدين الكسالى حتى بلغ التفاوت بين الناس في الفضل حدا بعيدا ،وكاد التفاوت بين الشعوب أن يكون أبعد من التفاوت بين بعض الحيوان وبعض الإنسان .