{ وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها إن الله كان على كل شيء حسيبا}التحية هي السلام ، وأصل التحية الدعاء بالحياة ، والتحيات لله هي السلام من الآفات ، وإنما يقال"التحيات لله"بصيغة الجمع ، ولم يقل"التحية"بصيغة الإفراد ، لأنه كان في الأرض ملوك تؤدى لهم تحيات مختلفات ، فيقال لبعضهم:"أبيت اللعن"، ويقال لبعضهم:"اسلم وانعم"فقيل لنا نحن المسلمين ، قولوا:"التحيات لله"أي كل الألفاظ التي تدل على تحيات الملوك وتؤدى معانيها ، وهي الله .
والعلاقة بين هذه الآية وما قبلها أن الله تعالى يقول ، إذا خرجتم للجهاد ، كما سبق الأمر ، فحياكم إنسان بتحية الإسلام ، فلا تقولوا لمن ألقى عليكم السلام لست مؤمنا ، بل ردوا جواب السلام فإن الأحكام تجري عليهم ، وقد أجمع الفقهاء على أن الابتداء بالسلام سنة مرغب فيها ، ورده فريضة ، لقوله تعالى{ فحيوا بأحسن منها أو ردوها} أو قوله تعالى{ إن الله كان على كل شيء حسيبا} ، فقد قال المفسرون عن ذلك ، إن هذه الصفة"الحسيب"حسنت هنا ، لأن معنى الآية في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفَّى قدر ما يجيء به ، والله سبحانه وتعالى يجازي الإنسان بقدر ما فعله ، حتى في لفظ التحية والسلام .
روى النسائي عن عمران بن حصين قال:كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل فسلم فقال:السلام عليكم ، فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال:"عشر"ثم جلس ، ثم جاء آخر فسلم فقال:السلام عليكم ورحمة الله . فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال"عشرون". ثم جلس . وجاء آخر فقال "السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"فرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقال:"ثلاثون"{[772]} .
وهذا الخبر يعطي تفسيرا بأن من قال لأخيه المسلم"السلام عليكم"كتب له عشر حسنات ، فإن قال "السلام عليكم ورحمة الله"كتب له عشرون حسنة ، فإن قال"السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته"كتبت له ثلاثون حسنة ، وكذلك من رد التحية له مثل ذلك أجر .
والتحية وردها آداب يجب أن يتعلمها المسلم ، ويتخذها منهجا وسلوكا ، فمنها أن يسلم الراكب على الماشي والقائم على القاعد والقليل على الكثير ، والصغير على الكبير ، وفي المسألة مسائل فقهية متشعبة ، على المسلم أن يتعرف عليها من مظانها ، ولا يغفل عنها ، لأن التحية وإفشاء السلام من الأسباب التي تصل القلوب بعضها ببعض ، فتأتلف الأرواح وتتحاب النفوس ، تصديقا لقوله عليه الصلاة والسلام"لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ، أفشوا السلام بينكم"{[773]} .
ثم عليكم أن تتذكروا في كل شئونكم أنه جل ذكره:{ الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا} .