وقوله:( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) أي:إذا سلم عليكم المسلم ، فردوا عليه أفضل مما سلم ، أو ردوا عليه بمثل ما سلم [ به] فالزيادة مندوبة ، والمماثلة مفروضة .
قال ابن جرير:حدثني موسى بن سهل الرملي ، حدثنا عبد الله بن السري الأنطاكي ، حدثنا هشام بن لاحق ، عن عاصم الأحول ، عن أبي عثمان النهدي ، عن سلمان الفارسي قال:جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:السلام عليك يا رسول الله . فقال:"وعليك السلام ورحمة الله ". ثم أتى آخر فقال:السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله . فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ". ثم جاء آخر فقال:السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته فقال له:"وعليك "فقال له الرجل:يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، أتاك فلان وفلان فسلما عليك فرددت عليهما أكثر مما رددت علي . فقال:"إنك لم تدع لنا شيئا ، قال الله تعالى:( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) فرددناها عليك ".
وهكذا رواه ابن أبي حاتم معلقا فقال:ذكر عن أحمد بن الحسن الترمذي ، حدثنا عبد الله بن السري - أبو محمد الأنطاكي - قال أبو الحسن:وكان رجلا صالحا - حدثنا هشام بن لاحق ، فذكر بإسناده مثله .
ورواه أبو بكر بن مردويه:حدثنا عبد الباقي بن قانع ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن لاحق أبو عثمان ، فذكره بمثله ، ولم أره في المسند والله أعلم .
وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا زيادة في السلام على هذه الصفة:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، إذ لو شرع أكثر من ذلك ، لزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال الإمام أحمد:حدثنا محمد بن كثير - أخو سليمان بن كثير - حدثنا جعفر بن سليمان ، عن عوف ، عن أبي رجاء العطاردي ، عن عمران بن حصين ; أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:السلام عليكم فرد عليه ثم جلس ، فقال:"عشر ". ثم جاء آخر فقال:"السلام عليكم ورحمة الله . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال:"عشرون ". ثم جاء آخر فقال:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . فرد عليه ، ثم جلس ، فقال:"ثلاثون ".
وكذا رواه أبو داود عن محمد بن كثير ، وأخرجه الترمذي والنسائي والبزار من حديثه ، ثم قال الترمذي:حسن غريب من هذا الوجه ، وفي الباب عن أبي سعيد وعلي وسهل بن حنيف [ رضي الله عنهم] .
وقال البزار:قد روي هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه ، هذا أحسنها إسنادا وقال ابن أبي حاتم:حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرؤاسي عن الحسن بن صالح ، عن سماك ، عن عكرمة عن ابن عباس قال:من يسلم عليك من خلق الله ، فاردد عليه وإن كان مجوسيا ; ذلك بأن الله يقول:( فحيوا بأحسن منها أو ردوها )
وقال قتادة:( فحيوا بأحسن منها ) يعني:للمسلمين ( أو ردوها ) يعني:لأهل الذمة .
وهذا التنزيل فيه نظر ، بل كما تقدم في الحديث من أن المراد أن يرد بأحسن مما حياه به ، فإن بلغ المسلم غاية ما شرع في السلام ; رد عليه مثل ما قال ، فأما أهل الذمة فلا يبدءون بالسلام ولا يزادون ، بل يرد عليهم بما ثبت في الصحيحين ، عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم:السام عليك فقل:وعليك ".
وفي صحيح مسلم ، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه ".
وقال سفيان الثوري ، عن رجل ، عن الحسن البصري قال:السلام تطوع ، والرد فريضة .
وهذا الذي قاله هو قول العلماء قاطبة:أن الرد واجب على من سلم عليه ، فيأثم إن لم يفعل ; لأنه خالف أمر الله في قوله:( فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) وقد جاء في الحديث الذي رواه
أبو داود بسنده إلى أبي هريرة قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أفلا أدلكم على أمر إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".