{ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشوني اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم( 3 )} .
في الآية السابقة بين سبحانه تحريم الصيد في وقت معين ومكان معين ، وحال معينة وهذا في البيت الحرام وفي الأشهر الحرم المخصصة للحج ، كما قال تعالى:{ الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج . . .( 197 )}( البقرة ) .
وفي هذه الآية بين سبحانه وتعالى المحرمات من الحيوان الذي كان في أصله حلال ، ولكن كان التحريم فيه سببه مقترنا بهلاكه مما يهلك بموت من غير ذبح ، وكذلك بعض أجزائه وبين تحريم حيوانات أخرى وبعض الأفعال التي تقترن بالذبح عند الذين أباحوا الميسر لأنفسهم ولذلك قال تعالى:
{ حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير} هذه الآية تبين تحريم أربعة أنواع هي الميتة وما هو في حكمها مما يقتل ودمه لا يخرج منه ، والثاني الدم ، والثالث لحم الخنزير والرابع ما أهل لغير الله به وما ذبح على النصب وحرم مع هذا فعلا يقترن بالذبح ، وهو الاستقسام بالأزلام أي قسم اللحم بطريق الأزلام ، وهي الأقداح التي تستعمل في الميسر ، أو كانت ستعمل عند العرب .
والميتة:الحيوان الذي يموت وكلمة "الميتة"وصف والموصوف هو الجثة ، فإن كل جثة لا تجري فيها الحياة تكون ميتة والمراد من الميتة هنا ما يموت من غير فعل فاعل ، والميتة غالبا تكون مستقذرة في ذاتها تعافها النفس وينفر منها الطبع ، وهي رجس قذر ، يكون فيه تعفن أو على الأقل يسارع إليه التعفن وهي فوق أنها خبث يكون في الغالب سببه مرضا قد اعترى جسمه ، وقد يكون بجرثومة تبقى بعد الموت أمدا غير قصير ولأن الميتة يكون دمها فيها وقد فسد ، ولذلك كله حرمت ، فهي قذارة وفيها ضرر كبير .
والدم الذي جاء النص الكريم بتحريمه هو الدم المسفوح الذي نص عليه في قوله تعالى في سورة الأنعام:{ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به . . . ( 145 )}( الأنعام ) . والمراد بالمسفوح:الذي يسفح ويراق من الحيوان وإن غلظ وتماسك من بعد ذلك فالدم الذي يكون جامدا بأصل خلقته وتكوينه كالكبد والطحال يكون حلالا كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أحلت لنا ميتتان حلالان ودمان حلالان:الكبد والطحال والسمك والجراد"{[863]} .
وكان تحريم الدم لأنه ضار إذ أنه يعسر هضمه وسريع التعفن ويحمل كثيرا من جراثيم الأمراض ولا يمكن تنقيته من هذه الجراثيم كاللبن إذ يغلى . وإن دم الحيوان السليم قد ينقل إلى الإنسان محفوظا مصونا من غير أن يتعرض للهواء فيزيده قوة أو يعوضه عما فقده ولكنه لا يمكن أن يكون غذاء يتناول بالفم ، ويمر على الجهاز الهضمي إذ إنه لا يكون قابلا للتمثيل في الجسم فوق ما يسري إليه من جراثيم تفسده وأن النفس الفطرية تعافه .
ولحم الخنزير:حرام لأنه مستقذر تعافه الفطرة كالميتة والدم إذ إنه يلازم القاذورات ويتغذى منها ، ولهذا المعنى حرمت البهائم الجلالة التي تأكل الجلة وتتغذى بها ، فقد روى عن ابن عمر أنه قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها"{[864]} وهذا النهي للكراهة عند بعض الأئمة وللتحريم عند الآخرين وقالوا:لا تؤكل حتى تحبس ، وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثا ولا يرى بأكلها بعد ذلك بأسا .
وإن المقصد من ذلك ألا يأكل المؤمن إلا طيبا لا خبث فيه .
وإن كون لحم الخنزير ضارا فهو أمر قد قرره الطب ، فلحمه يولد كثيرا من الديدان كالدودة الوحيدة والشعرة الحلزونية التي تجيء إليه من أكل الجرذان الميتة ، وإنه عسر الهضم لا تكاد النفس تستسيغه والجهاز الهضمي لا يهضمه وإن الذين يستطيبونه قد فسدت أذواقهم ، والعادة هي التي سهلت استساغته وكثير من المستقذرات تسهل العادة تناولها ، وقد وصفه القرآن الكريم بأنه رجس ، وقد صدق فيه الوصف فهو ضار ضررا بليغا ومستقذر استقذارا شديدا مهما يقل فيه الذين فسدت أذواقهم .
{ وما أهل لغير الله به} الإهلال:هو رفع الصوت وأصله رفع الصوت عند رؤية الهلال ثم أطلق على رفع الصوت لأمر يدعو إلى رفعه ومنه أهل فلان بالحج إذا رفع صوته بالتلبية والدعاء في كل مكان يناسب ذلك ، وعند البيت الحرام ، والإهلال لغير الله عند الذبح أن يذبحوا باسم صنم من الأصنام ، وإن ذلك فيه عبادة لغير الله تعالى ، فنهى عن أكل ما يذبح لذلك منعا لهذا العمل الذي هو شرك بالله ، وكان النهي عن الأكل لأنه ذريعة إلى المنع المطلق .
والتحريم في هذا ليس لذات الحيوان ، بل لما صحبه من عمل فيه شرك بالله تعالى وفسوق عن أمره سبحانه وتعالى .
ولذلك كان تحريم الميتة والدم و الخنزير لأنها رجس وهذا حرم لأنه فسق وإشراك ، وهذا مؤدى قوله تعالى:{ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به . . .( 145 )}( الأنعام ) .
وإن الذبيحة إنما تحرم إذ كان قد ذكر غير اسم الله تعالى عليها ، وإنها حلال إذا ذكر اسم الله تعالى عليها ، ولكن إذا لم يذكر اسم الله تعالى عليها ولم يذكر غيره وكان الذابح مسلما وكان الذبح في مكان لا يبدو أن فيه تقربا لغير الله تعالى أتكون الذبيحة حراما أم لا تكون ؟
قال بعض الفقهاء:لا تحل لقوله تعالى:{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . . .( 121 )}( الأنعام ) فإذا لم يذكر اسم الله فذلك من مواضع النهي .
وقال آخرون:موضع التحريم هو فيما أهل لغير الله به والآخر على أصل الحل ويدل على ذلك القصر في التحريم في قوله تعالى:{ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما . . .( 145 )}( الأنعام ) . وبقصر النهي في قوله تعالى:{ ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه . . .( 121 )}( الأنعام ) على حال ما إذا ذكره غيره وما كان قبل النهي وبعده يزكي تفسيره بذلك وسبين ذلك عند الكلام في هذه الآية إن شاء الله تعالى .
{ والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع} .
المنخنقة:هي التي تموت بخنق إما باختناقها من وثاقها أو يخنقها غيرها ويتركها حتى تموت .
والموقوذة:هي التي وقذت بحجر ، أو تضرب بعصا حتى تموت من غير تذكية شرعية ، فالوقذ الرمي والضرب الشديد وما يرمى بالسهم ، فيموت أيعد موقوذا أم لا يعد ؟ روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا رميت بالمعراض( السهم الذي قد يصيب بعرضه لا بحده ) ، فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله ، فإنه وقيذ"{[865]} ، ومؤدى الحديث أن السهم إن اخترق الجسم وأسال الدم يؤكل المضروب وإلا فإنه لا يؤكل ، فالعبرة إذن بإسالة الدم فإن أساله أكله ، وإلا فلا يؤكل .
والمتردية:هي التي تموت بسبب سقوطها من مكان مرتفع في مكان منخفض ، كالتي تسقط من جبل في هاوية ، أو تسقط في بئر فتموت .
والنطيحة:هي الحيوان الذي يموت من نطح أو اصطدام فهي فعيلة بمعنى مفعولة كذبيحة بمعنى مذبوحة وقد كان العرب يأكلون كل هذه الأصناف الأربعة فجاء الإسلام وحرمها ، والحقيقة أنها من نوع الميتة لأنها تموت ودمها محبوس فيها لم يخرج منها ، ويصح أن تدخل في عموم الميتة ولذلك جاء الاقتصار على ذكر الميتة في قوله تعالى:
{ قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه . . .( 145 )}( الأنعام ) وهي بلا شك داخلة في عموم كلمة الميتة .
وما أكل السبع:المراد به ما افترسه ذو ناب وأظفار من سباع الحيوان كالأسد والنمر والذئب والثعلب والضبع ، وغيرها من الحيوان فما افترسه حتى مات يكون حراما سواء أكل منه أم لم يأكل ، وذلك لأنه افترسه ليأكله فأطلق اسم السبب وأريد المسبب ، ولإطلاق السبب هنا معنى ، ذلك أنه افترسه ليأكله فيخرج بذلك الكلب المعلم الذي أطلق ليصطاد لصاحبه وسمى عند إطلاقه فهو يفترس لا ليأكل بل لمن أطلقه ، وقالوا:إنه إذا افترسه ليأكله هو بأن أكل أكثره فإنه لا يحل الباقي لمن أطلقه .
وقد استثنى من المحرمات السابقة حال التذكية الشرعية وهي الذبح أو ما يشبهه مما يريق الدم ، ويصفيه ولذا قال تعالى:{ إلا ما ذكيتم} أي أن المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما افترسه السبع إذا أدرك وهو حي ، وذكي التذكية الشرعية وأريق دمه ، فإنه يكون حلالا بسبب هذه التذكية فهو وما ذكي ابتداء وهو قوي قادر على سواء{[866]} ، لأن التذكية الشرعية وهو حي هي سبب الحل وقد تحقق في الحالين .
{ وما ذبح على النصب} النصب:اسم مفرد لحجر كان ينصب فيعبد وتصب عليه دماء الذبائح ويشرح اللحم ويوضع عليه ، وكانوا يفعلون ذلك تقربا إليها ، أو ليتقربوا عن طريقها فنهى الله تعالى عن أكل ما يذبح على هذه الحجارة قطعا لدابر الوثنية والأفعال التي تؤدي إليها ، وتحريم هذا هو من قبيل تحريم ما أهل لغير الله تعالى ، فالمعنى فيهما واحد والتحريم ليس لذات الشيء المذبوح ولكن لما اقترن بالذبح من آثام وفسوق عن أمر الله تعالى .
والفعل الذي حرمه الإسلام من غير أن يتعرض لتحريم اللحم هو ما جاء في قوله تعالى:
{ وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق} فقد وصفه سبحانه وتعالى بأنه فسق والأزلام جمع زلم وهو القدح من أقداح الميسر وهي عشرة أقداح ، منها ثلاثة غفل ليس فيها ما يدل على مقدار يؤخذ وسبعة فيها مقادير تبين مقاديرها ، فإذا عقر الجزور{[867]} ، قسم على مقدار ما يشتمل عليه من أجزاء ثم ضربت الأقداح ، فمن يخرج له منها قدح يأخذ بمقدار ما يشتمل عليه ، وبذلك يطلب كل واحد نصيبه من الجزور بهذا القمار ، وقد وصف الله تعالى ذلك الفعل بأنه فسق ، أي خروج على المبادئ الإسلامية والتحريم منصب على الفعل وليس منصبا على اللحم ، وعلى ذلك إذا كانت الذبيحة قد ذكيت بالطريقة الإسلامية وذكر اسم الله تعالى عليها فإنها تكون حلالا ، والتقسيم بهذه الطريقة يكون حراما .
{ اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون} اليوم المعرف بأل التي هي للحضور ، هو يوم عرفة ذلك أن الآية كلها نزلت في يوم عرفة وفيها بيان المحرمات وقد ذكر سبحانه وتعالى عقب بيان هذه المحرمات بيانا قاطعا بين حياة جاهلية فيها أخباث ، وحياة إسلامية نظيفة نزيهة ببيان قوة الإسلام وعلوه في الأرض ، وإذلال الشرك وذهاب سطوته في أرض العرب ، ومعنى قوله تعالى:{ يئس الذين كفروا من دينكم} أنهم يئسوا من القضاء عليه ، وتغيير حقائقه وسيطرة الشرك على المؤمنين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يوم عرفة ، وهو يعرض الحقائق الإسلامية ويشهد الله تعالى على تبليغها:"إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه"{[868]} ويأس الشيطان هو يأس أولياءه من المشركين من أن يتغلبوا على ذلك الدين المكين الثابت ، وإذا كان المشركون قد يئسوا من السيطرة ووهنت قواهم فإنه لا تجوز مسايرتهم في أي أمر من الأمور ولذا قال سبحانه:{ فلا تخشوهم واخشون} والخشية:خوف يشوبه تعظيم لما يخشى منه ، والمعنى لا تجعلوا للكافرين مكانا للهيبة أو الخوف أو التعظيم فقد ضعفوا واستكانوا وإنما الخشية كلها لله الذي نصركم وأنتم أذلة ، وأعزكم وقد كنتم مستضعفين في الأرض ، وخشية الله توجب طاعته والأخذ بكتابه وسنة نبيه ، وأن تباعدوا بينكم وبين ما كان في الجاهلية ، وما عليه عادات الجاهليين ، وأن تأخذوا بمبادئ الإسلام وحده وأنه قد كمل الدين بيانا وعزة وسلطانا ولذا قال تعالى:
{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} هذه الآية آخر آيات القرآن الكريم نزولا وقد نزلت في عرفة في حجة الوداع ، وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية واحدا وثمانين يوما ثم قبضه الله تعالى إليه ، وفي هذا النص الكريم ذكر حقائق ثلاثا وهي:إكمال الدين وإتمام النعمة والرضا بالإسلام دينا .
ومعنى أكملت دينكم:أكملت بيان ما آمركم به وما أنهاكم عنه ، وبينت ما يحل لكم وما يحرم عليكم ، وأكملت الكتاب الذي تضمن شرعي ، والذي هو حجتي عليكم والحجة لكم في أمر دينكم وأوضحت فيه الأدلة التي ترشدكم إلى تعرف ما تكون فيه حاجاتكم ، وما تعرفون منه بالاستنباط والتفكير مما تحتاجون إلى معرفته من أمر دينكم وخلاصة القول:إن إكمال الدين هو إكمال بيانه .
ومعنى إتمام النعمة:هو إتمام النصر وإتمام السلطان وذلك بفتح مكة والسلطان في العرب وإزالة دولة الأوثان وجعل الكلمة العليا هي كلمة التوحيد .
ومعنى ورضيت لكم الإسلام دينا:رضيت الاستسلام لأوامري والانقياد لما شرعت لكم من أحكام ، وما يجب عليكم التزامه من فرائض ومعالم وحدود{ دينا}:أي أمرا تدينون به وتطيعونه ولا تخرجون عنه وهذا ما قرره ابن جرير ويصح أن نقول:إن المعنى رضيت لكم التسليم بكل ما اشتمل عليه القرآن وما دعا إليه النبي صلى الله عليه وسلم دينا تطيعونني بمقتضاه ، والمعنيان متقاربان وإن اختلف التعبير وعبر هنا بكلمة ( رضيت ) مع أن الأمر هنا أمر إيجاب وتكليف وذلك للإشارة إلى أن المؤمن الذي يبلغ درجة المحبة لله تعالى يطيعه لأن فيه مرضاته من غير نظر إلى التكليف الذي يتضمن الثواب والعقاب .
وقد جاء في تفسير ابن جرير الطبري:"فإن قال قائل:أو ما كان الله تعالى راضيا الإسلام لعباده إلا يوم أنزل هذه الآية ؟ قيل لم يزل الله راضيا لخلقه الإسلام دينا ولكنه جل شأنه لم يزل يصرف نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه في درجات الإسلام ومراتبه ، درجة بعد درجة ومرتبة بعد مرتبة وحالا بعد حال ، حتى أكمل لهم شرائعه ومعالمه وبلغ بهم أقصى درجات مراتبه ، ثم قال حين أنزل هذه الآية:{ ورضيت لكم الإسلام دينا} بالصفة التي بها اليوم ، والحال التي أنتم عليها منه اليوم دينا ، فالزموه ولا تفارقوه أي هذا الرضا كان ذكره أنسب عند الكمال .
وإن كان مصاحبا للشرع في مواضع نزوله .
وقد يسأل لماذا ذكر الله سبحانه وتعالى قوله تعالت كلماته:{ اليوم يئس الين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون اليوم أكملت لكم دينكم} في وسط آية محرمات الأطعمة ومحللاتها كما سيجيء ، ونقول إن ذلك تنبيه إلى يوم نزول هذه الآيات ، باعتبارها آخر القرآن نزولا فكان التنبيه إلى اليوم وهو يوم عرفات ، لأنه ذكرى الكمال وذكره في جملة معترضة أدعى إلى التنبيه والتذكير .
{ فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم} التحريمات السابقة كلها في حال الاختيار أما في حال الاضطرار ، بأن يكون الشخص مضطرا للأكل ليدفع عن نفسه الموت جوعا ، فإنه في هذه الحال يجوز الأكل . والمخمصة:المجاعة التي تورث ضمور البطن ، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم حال الضرورة التي تبيح بعض هذه المحرمات بأن يجيء الصبور والغبوق ، ولا يجد ما يأكله أي يجيء اليوم كله ولا يجد طعاما يأكله{[869]} ، وشرط رفع الإثم عن تناول المحرم للضرورة ألا يتجاوز حد الضرورة لذلك قال تعالى:{ غير متجانف لإثم} أي مائل إليه راغب فيه يتجاوز حد الضرورة وهذا يتلاقى مع قوله تعالى في سورة البقرة:{. . .فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه . . .( 173 )} ( البقرة ) .
ومعنى النص الكريم:فمن اضطر إلى تناول المحرم وهو في حال جوع شديد وهو غير طالب لهذا المحرم ولا يتجاوز حد الضرورة ، فإن الله تعالى يرفع عنه الإثم لأن الله تعالى غفور رحيم فهو رحيم بعباده ولذا جعل الضرورة مسوغة للمحذور وهو غفور يغفر الذنوب ويفتح باب التوبة لعباده .
اللهم ارحمنا واغفر لنا ، ولا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ولا تجعلفي قلوبنا غلا للذين آمنوا .