{ إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا}
/م35
في هذا النص الكريم يبين سبحانه المقابلة بين جزاء المؤمنين وجزاء الكافرين ، فالمؤمنون يفوزون في الدنيا بنعيم الاطمئنان والإحساس بالرضوان من الله تعالى ، ونصره سبحانه وتأييده وفوز الآخرة بالنعيم المقيم ، أما الكافرون فإنهم إن نالوا ظاهرا من الحياة الدنيا ، يستقبلهم في الآخرة عذاب مقيم ، دائم مستمر وإنه لو وزنت الدنيا بحذافيرها ، وكل ما فيها بعذاب يوم القيامة ، ما ساوت شيئا في جانبه وإنهم لو ملكوا الدنيا بما فيها ، وأرادوا أن يقدموه فداء لأنفسهم من عذاب القيامة ، ما قبل منهم ذلك ، بل يرد عليهم ما يقدمون .
وإن الله سبحانه وتعالى قد ذكر كفر الكافرين مؤكدا ب "إن"، وذكر الموصول للإشارة إلى أن الكفر الثابت المؤكد الذي لم يقترن بالتوبة والانخلاع منه بإيمان يجب الكفر هو سبب لعذاب وهول يوم القيامة صوره الله سبحانه وتعالى بقوله:
{ ولو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم} والافتداء تخليص النفس ، والعمل على الحفاظ عليها بمال أو أي نفيس يبذل في سبيل ذلك الخلاص ، والمعنى الجملي:لو ثبت أن الذين كفروا يقدمون كل ما في الأرض تخليصا لأنفسهم ومثله معه في قيمته وكمه ما قبله الله تعالى منهم ، لأن الجزاء الذي ادخره الله تعالى لهم من عذاب أليم يتكافأ مع ما في الدنيا مضافا إليه مثله ، وهم لو ملكوا كل ذلك لقبلوا أن يقدموه ، فكيف وهم لا يملكون إلا قدرا ضئيلا لا يساوي ذرة صغيرة في هذه الدنيا ، والله لا يتقبل ذلك الفداء مهما يكن قدره ، لأنه قرر العذاب المؤلم المؤكد ، وقد أكد نفي القبول بقوله تعالى:{ ما تقبل منهم} أي ما قبل منهم بأي قدر ولو كان ضئيلا ، وكان من تأكيد النفي بصيغة التقبل والمراد هنا من التقبل تكلف القبول ، أي أنه لا يمكن القبول ولو بطريق المحاولة والمعاناة .
وقد أكد سبحانه وتعالى العذاب بقوله تعالى:{ ولهم عذاب أليم} أي أن الذين يملكونه في الآخرة بدلا في مقابل ما كانوا يملكون في الدنيا عذاب مؤلم مستمر لا يزول ولا يفارقهم ، وهم يريدون أن يخرجوا منه ، وهو ملازمهم لا يفارقهم ، ولذا قال سبحانه:{ يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها} .