( ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ) .
( ذلك ) الإشارة إلى إرسال الرسل ، وقصهم للبينات وآيات الله وذكر يوم القيامة كل هذا ليكون نذيرا لأهل القرى حتى يهلكهم الله تعالى بظلمهم وهم غافلون والقرى المدائن الكبيرة ، وقيل:إن الإشارة إلى شهادتهم على أنفسهم بمجيء الرسل وشهادتهم على أنفسهم بأنهم كفروا بهم ، فإذا كان قد ثبت ما ارتكبوا من جرائم وذنوب ثبت بإقرارهم فالحجة قد قامت عليهم فلا ظلم ولا شبه ظلم .
وهنا إشارتان بيانيتان .
إحداهما:أن الله تعالى ذكر هلاك القرى والهلاك نازل على أهلها ولكنه ذكر القرى وحذف الأهل للإشارة إلى عمومه وشدته وأنه لا قبل لهم به .
الثانية:أنه نص على المحذوف في قوله:( وأهلها غافلون ) فكان المحذوف هنالك مذكورا هنا ، ونفى الله تعالى الغفلة عنهم عند نزول الهلاك بهم اذ أنذروا بالرسل والآيات كما قال تعالى:( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا 15 ) ( الإسراء ) وكما قال تعالى:( وإن من أمة إلا خلا فيها نذير 24 ) ( فاطر ) وقال تعالى عن أخبار جهنم:( كلما ألقي فيها فرج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير 8 قالوا بلى قد جاءنانذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان أنتم إلا في ضلال كبير9 )( الملك ) .
وقد نفى الله تعالى أن يهلك القرى قبل الإنذار ، بقوله تعالى:( ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى ) نفى سبحانه وتعالى عنه وصف الإهلاك باسم الفاعل من غير إنذار تأكيدا للنفي ومنعا للظلم .
وقوله تعالى ( ذلك أن لم يكن ) ( أن ) مخففة من الثقيلة وهنا ضمير محذوف هو ضمير الشأن والمعنى أنه ليس من شان ربك أن يكون مهلكا للقرى .
والظلم المنفى أهو نفى الظلم عن الله أي أن الله تعالى لا يهلك القرى وأهلها غافلون لهم بعدم الإنذار الإنذار ، كقوله تعالى:( وما أنا بظلام للعبيد 29 ) ( ق )وكقوله تعالى:( إن الله لا يظلم الناس شيئا 44 ) ( يونس ) أي أن الله سبحانه وتعالى مهلك قرى المشركين ولكي يكون الهلاك عدلا لا ظلما كان الإنذار .
وهناك تخريج آخر ذكره ابن جرير ، وهو الظلم منهم ، والمعنى أنه ما كان ربك مهلك القرى بظلمهم وإشراكهم وهم لم ينبهوا بمنع ذلك الظلم .
وقوله ( وأهلها غافلون ) حال من القرى والمعنى ما كان الله ليهلكهم حتى ينذروا ويبين لهم الحق حتى يهتدوا عن بينة أو يضلوا عن بينة والله الهادي إلى سواء السبيل .