( ان ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين ) .
إن أشد إنكارهم كان في البعث وكان هو العجب الغريب عليهم فقد كانوا يعتقدون أن الله خالق كل شيء وأنه ليس كمثله شيء ولكن يعبدون ما يعبدون من الأوثان ليقربوهم على الله زلفى في زعمهم وما كانوا يؤمنون بالبعث ولا في الجزاء بعده:( وإن تعجب فعجب قولهم أئذا كنا ترابا ائنا لفي خلق جديد5 ) ( الرعد ) .
وان البعث يكون بعده الحشر والحساب ثم العقاب أو الثواب وقد ذكرهم الله تعالى بالبعث بذكر ما يكون فيه مما وعد الله تعالى به ، وأوعد وقد ذكر آخر ما يكون فيه وهو العقاب على كفرهم والثواب لغيرهم فقال تعالى:( إن ما توعدون لآت ) ( ما ) هنا اسم موصول بمعنى الذي وقد حذف الضمير من الصلة والمعنى إن الذي توعدونه لآت فأكد الله سبحانه وتعالى إثبات ذلك الذي أوعدوا به ب ( إن ) وبالجملة الاسمية وباللام في قوله تعالت كلماته ( لآت ) وكان الكلام بالبناء للمجهول لمزيد التهديد بإبهام الوعيد وعدم ذكره ليذهب فيه العقل كل مذهب وبعدم ذكر ما أوعد وهو معلوم ليزدادوا خوفا فيضعفوا عن المقاومة ويؤمن من كتب الله تعالى الإيمان له ويستمر في غيه من كتب الله العقاب له .
وإن الله تعالى قادر على كل شيء فهو قادر على إعادتهم كما هو قادر على إنزال العقاب بهم ، ولذا قال تعال ( وما أنتم بمعجزين ) نفى الله تعالى قدرتهم على إعجاز الله تعالى عن الإعادة فإنه قادر عليها كما قال تعالى:( كما بدأكم تعودون 29 فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة30 ) ( الأعراف ) . وكما قال تعالى:( كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا 50أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا51 ) ( الإسراء ) .
ونفى سبحانه وتعالى قدرتهم على الامتناع عن عقابه فهو مالك يوم الدين ، وهو المسيطر وحده:(. .لمن الملك اليوم للهالواحد القهار 16 ) ( غافر ) .
وهنا في قوله تعالى:( وما انتم بمعجزين ) إشارات بيانية:
أولاهما:في النفي توكيد فقد أكده بذكرهم وخطابهم وبذكر الضمير ( انتم ) وباستغراق النفي بذكر ( الباء ) وبان النفي منصب عليهم ، أي ليس من شانهم أن يعجزوا لأنهم ضعفاء والضعيف لا يعجز أحدا كما قال تعالى:(. . .وخلق الإنسان ضعيفا 28 ) ( النساء ) .
الإشارة الثانية:انه لم يذكر في النفي من يعجزونه ، فلم يذكر الله تعالى إعلاء لاسمه الكريم عن أن يكون مظنة عجز أو أن يعجزه أحد ، إذ إعجازه مستحيل ونفى أمر هو مستحيل في ذاته غير سائغ في سنة البيان .
الثالثة:نفى عموم الإعجاز من أي نوع هو ، ولقد قال صلى الله عليه وسلم:( يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى وما أنتم بمعجزين ){[1061]} .