( وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ 133 إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ 134 قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ 135 ) .
إن الله سبحانه وتعالى أشار على أن الكافرين يجحدون وقد قامت الآيات حجة عليهم تدعوهم الى الوحدانية وأنه لا يعبد الا الله وثبت أنهم يعاندون ويردون الآيات ويكذبون رسل الله سبحانه وتعالى وقد أوتوا بالبينات من ربهم وما من نبي الا أوتي ما مثله آمن عليه البشر . وفي هذه الآية الكريمة بين سبحانه وتعالى أن الله غني عن العباد فلا يستفيد من عبادتهم عن عبدوه مخلصين ولا ضير عليه من كفرهم إن كفروا ولكن الله تعالى برحمته بهم ، يريد لهم الحق ، ولا يرضى لعباده الكفر ولذا قال تعالى:
( وربك الغني ذو الرحمة ) .
( الواو ) عاطفة عطفت هذه الجملة على ما قبلها وصدرها بقوله تعالت كلماته:( وربك ) أي خالقك ومربيك وقد تولاك بربوبيته كما تولى الوجود كله بربوبيته وهذا ترشيح لمعنى أن الغنى من لا يحتاج فيكون في غناء عن غيره ، ومن هو قائم على الوجود لا يحتاج لأحد في الوجود وقد ذكر الله تعالى أنه الغني ، وحده فكل من في الوجود يحتاج لغيره والله تعالى لا يحتاج الى أحد تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا وقد عرف الله سبحانه وتعالى الطرفين في قوله تعالى:( وربك الغني ) وتعريف الطرفين يدل على القصر أي لا غنى في الوجود سواه ، كما قال تعالى:( يا ايها الناس أنتم الفقراء الى الله والله هوا لغني الحميد15 ) ( فاطر ) .
ووصف الله سبحانه وتعالى بعد تأكيد أنه الغني وحده ، وان كل من في الوجود فقراء إليه ، بأنه ذو الرحمة أي انه صاحب الرحمة وحده ، و ( ذو ) بمعنى صاحب فهو الرحيم رحمة مطلقة بعباده ورحمة غيره رحمة نسبية تليق بالمخلوقات أما الله تعالى فرحمته واسعة وسعت كل شيء ، خلق الكون والناس برحمته وخلق العقلاء وكفلهم برحمته وأنزل من السحاب ماء مدرارا برحمته ، وخلق من الماء كل شيء حي برحمته وجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا برحمته وخلق الموت والحياة برحمته وخلق البعث والنشور برحمته ، وأنشأ السمع والأبصار والأفئدة برحمته .
فإذا كان هو الغني وحده فهو الرحمان الرحيم ، والقادر على كل شيء ولذا قال تأكيد لقدرته وفقر العباد إليه .
( إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء ) .
إن الذين يعاندون الله تعالى ، ويحادون الرسول ومن اتبعه من المؤمنين ويحادون الله بمحادة عباده المؤمنين ، الله لا يحاده شيء في الوجود فانه ( إن يشأ يذهبكم ) لا تكونون في الوجود وذلك بإماتتكم أو إفنائكم ( ويستخلف من بعدكم ما يشاء ) من الخلق ومعنى ( يستخلف ) يكون خلفا لكم في الأرض ما يشاء من عباده وجاء الكلام للدلالة على العموم والمعنى أنكم وجدتم بمشيئته الله ، ويذهبكم بمشيئته ويجعل خلفا لكم ما يشاء فانتم في حياتكم ومماتكم ، وحياة من بعدكم ومماته بمشيئته سبحانه وهذا كما قال تعالى:( وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم 38 ) ( محمد ) وكما قال تعالى:( ان يشأ يذهبكم أيها الناس ويأت بآخرين . . .133 ) ( النساء ) وقد أقام سبحانه الدليل على الإذهاب والاستخلاف بحالهم هم ، فقال تعالى:
( كما أنشأكم من ذرية قوم آخرين ):
أي أنتم لستم أول المخلوقين ولا آخرهم فقد كنتم ذرية لمن سبقوكم ، وهم قوم آخرون وستكون من بعدكم ذرية وقوله تعالى:( كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين ) تشبيه لحال الذين يخلفونهم بحالهم ، فهو قياس حالهم على حال من يجيئون بعدهم فإذا كنتم قد نشاتم من ذرية سبقوكم ،فمن يخلفونكم ينشئون من ذريتكم . والخلاصة:الله غني عنكم وهو يرحمكم والوجود يتوالد بعضه من بعض بقدرة الله تعالى والأجيال متعاقبة فإن كنتم جيلا كافرا سيجيء من بعدكم جيل مؤمن والله على كل شيء قدير .