{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ( 133 ) إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ ( 134 ) قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ( 135 )} [ 133 – 135] .
وجه الخطاب في الآيتين الأولى والثانية إلى الكفار حيث قرر فيهما أن الله تعالى هو غني عن الناس ،وهو متصف بالرحمة أيضا ،وأنه يستطيع إذا شاء أن يهلكهم ويستخلف من بعدهم ما يشاء ،كما استطاع أن ينشئكم من ذرية قوم قبلهم .وأنه إذا لم يفعل ذلك فورا فلأن رحمته قد وسعت الجميع وحكمته قد اقتضت التأجيل ،وأن ما يوعدون به آت لا ريب فيه وهم غير معجزين لله وغير خارجين عن نطاق قدرته وجبروته .أما الآية الثالثة فقد احتوت أمرا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقول للذين وقفوا منه موقف الجحود والعناد بأسلوب فيه تحد ويقين سيروا وابقوا على ما أنتم عليه ،وأنا سائر وثابت على ما أنا عليه والمستقبل بيننا حيث يعرف الذي تكون له العاقبة الحسنى والفوز النهائي من الفريقين ،ولن يصيب الظالمون نجاحا ولا فوزا .
وظاهر أن الآيات استمرار في التعقيب على ما سبق من الآيات وإنذار قوي بأسلوب رصين نافذ إلى العقول والقلوب معا .ومن شأنه بث البشرى والطمأنينة والوثوق في قلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بأنهم على الحق وأنهم المفلحون في العاقبة ،وقد تحقق ذلك فعلا فكان فيها معجزة باهرة .
وقد جاءت الآيات في الوقت نفسه خاتمة قوية ثانية لمواقف المناظرة واللجاج القائمة بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم والكفار والتي ما فتئت الفصول التي جاءت بعد سلسلة قصص الأنبياء تحكي صورها المتنوعة استئنافا لمثلها قبل هذه السلسلة .