{أَنشَأَكُمْ}: الإنشاء: الابتداء ،أنشأ الله الخلق إذا خلقهم وابتدأهم ،ومنه قولهم: أنشأ فلان قصيدة ،والنشء: الأحداث من الأولاد .
يعمل القرآن على إثارة إحساس الإنسان بالله روحياً كي يوصله إلى الإيمان ،وإلى تحمّل المسؤولية ،فيقدّم له صورة عن صفات الله التي توحي كل صفة منها بمعنى يحرّك الإنسان للعمل .{وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ} في كل شيءٍ ،وعن كل شيءٍ ،لأن الأشياء ملكه ،وكل موجود هو ملكه ،فهو محتاج إليه ،في وجوده وفي استمراره ،وهو الغني عن طاعته ،فلا تنفعه طاعة من أطاعه ،ولا تضرّه معصية من عصاه ..فالطاعة تنفع صاحبها ،والمعصية تضر مرتكبها .
{ذُو الرَّحْمَةِ} فقد كانت رحمته سبب وجود الكون والخلق ،وكانت رحمته سبب كل نعمةٍ تكفل للوجود استمراره ،وللعباد حياتهم ،فلم تنطلق رحمته من حاجةٍ ،ليكون غناه سبباً في بعده عنهم ،بل انطلقت من ذاته التي تعطي الرحمة للعاصي كما تعطيها للمطيع .
{إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَآءُ} لأنكم لا تمثلون حاجة لله في ملكه ،بل إن كان وجودكم هو من موقع رحمته ،فإذا شاءت إرادته أن يذهبكم ويزيلكم عن الوجود ويأتي بآخرين من بعدكم ،فسيذهبكم من دون أن ينقص من ملكه شيء ،{كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ} فأذهبهم وجاء بكم من بعدهم ،فكيف تتمردون عليه ؟وكيف تواجهون وعيده ؟