( وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء ) .
الكلام الموصول في بيان ما حرموه على أنفسهم أو بعضهم من الأنعام ، وما في بطون هذه الأنعام هي من الإناث لان الذكور لا يكون في بطونها شيء يناله الرجال دون النساء ، وما في بطونها الذي يحرم على النساء ويباح الرجال خالصة قيل هو اللبن وقيل هو الحمل وأرى أنه يشمل الأمرين وان كان قوله تعالى:( وإن يكن ميتة ) أي ان تجيء به فهم فيه شركاء أي يشترك الذكر والأنثى يرجح أو يقرب أن المراد الأجنة في الظاهر ولكنه لا يمنع أن يكون ما فيالبطون يشمل الألبان والأجنة معا ، وخصت الأجنة بأنها ان نزلت ميتة اشتركوا فيها جميعا .
والإشارة في قوله تعالى:( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ) إشارة نوع معين من إناث الأنعام وقد قال مفسرو السلف انها البحيرة والسائبة التي ترد عن حوض ماء ولا مرعى ، إذا ولدت خمسة أبطن فإن هذه يكون لبنها وما في بطنها من حمل للذكور دون الإناث ان نزل حيا ان نزل ميتا فهم فيه شركاء بمعنى اشترك فيه الذكور والإناث .
وروى أن لبن الوصيلة والسائبة كان الرجال يشربونه والنساء لا يأخذن منه شيئا والوصيلة والسائبة لا يذبحان بل تتركان حتى تموتا فإذا ماتت إحداهما أكل منه الرجال والنساء .
وإنه يجب ان ننبه هنا الى أنهم في هذا الإفك الذي يافكون يجعلون للمرأة من الطعام الشيء الذي يعاف ويجعلون للرجل الطيب من الطعام ولا يحرمونه مما يخص النساء .
وقوله تعالى:( وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة ) ( التاء ) لتأكيد الوصف بالخلوص فهي تاء للمبالغة كالتاء في علامة ونسابة وليست تاء التأنيث لأنها خبر لما في البطون وبدليل ما بعدها وهو محرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء .
هذا ضلال جاءهم من أوهامهم في أوثانهم وفساد اعتقادهم فان فساد الاعتقاد يجعل العقل عشا للأوهام وتضل به الإفهام وقد ختم الله سبحانه وتعالى الآية بقوله تعالت حكمته:
( سيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم ) الوصف الذي جعل سببا للجزاء هو الظلم الذي افتروه في جعل بعض الحرث والنعم لله ، والطغيان في نصيب الله تعالى وقتل الأولاد من كثير منهم ، وتحريمهم بعض الحرث والنسل الا من يريدون ان يطعموه وفي الغالب يحسبونه لأوثانهم الا من يكون فيما حولهم ، هذا هو الوصف وطغوا في الظلم في ذاته ، وشرك في الباعث عليه ، وظلم لأنفسهم وان قوله تعالى:( سيجزيهم وصفهم ) قالوا:ان معناه سيجزيهم بوصفهم فوصفهم منصوب على نزع الخافض وكان حذف ( الباء ) فيه بيان أن الجزاء هو على قدر هذا الوصف وهو الظلم المبين الذي لا يمكن الا أن يكون من الشرك وما حوله .
وختم الله تعالى الآية بقوله تعالت كلماته:( إنه حكيم عليم ) أي أن ذلك الجزاء الحكيم هو من وصفين لله تعالى وهو انه ( حكيم عليم ) يضع الأمور بمقتضى حكمته وإرادته ، وبمقتضى علمه الذي أحاط بكل شيء وأنه يعلم ما يخرصون وما تجيش به نفوسهم وما تنبعث منه أفعالهم وهو السميع العليم .