( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ165 .
بين سبحانه اختلاف المؤمنين وما يجب أن يكونوا عليه متأسين بالنبي صلى الله عليه وسلم آخذين بهديه مخالفين ما عليه المشركين ، وختم الآية التي قبلها بأن الله تعالى يحكم بين المختلفين يوم القيامة بعد ذلك بين سبحانه وتعالى أن الله تعالى هو الذي خلق الأجيال المتعاقبة الذي يخلف بعضها بعضا وهي متفاوتة فقال تعالت كلماته:
( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ )
( الواو ) هنا واو الفصل بيان الآيات وهي تفيد أن الآيات مترابطة تبع بعضها بعضا ، في نسق محكم متناسب يرتبط بعضه بعجز بعض .
الخلائف جمع خليفة ، أي طبقة تخلف طبقة ، وجيلا يخلف جيل وكل واحد منها يعد خليفة في هذه الأرض يسيطر الإنسان عليها ، إن ظالما ، وان عادلا وذلك تحقيق مستمر للخلافة التي جعلها الله تعالى لآدم أبي البشر إذ قال تعالى:( وإذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء . . .30 ) ( البقرة ) .
وهنا بقوله سبحانه:( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ) أي صيركم أجيالا تخلف بعضها بعضا وكل جيل خليفة في الأرض يفسد بعضه ، ويصلح بعضه ، ويباح الفساد مع الصلاح وينازعه حتى لا يعم ، ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين 251 ) ( البقرة ) .
ولذا قال تعالى:( ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) .
الدرجات كما جاء بها التعبير في القربات هي الدرجات العالية التي تكون سابقات كريمة ، والمعنى رفع منكم درجات بالهداية والسمو ، والرفعة إذا أطاعوا اتجهوا الى الخير ، وإعلاء منازل الإنسانية ولو كانوا هم الفقراء أو العبيد أو المستضعفين في الأرض ولا يلزم أن يكون من الأقوياء أو الأغنياء وقد اختبر كلا ، فاختبر الأغنياء ليشكروا واختبر الفقراء ليصبروا .
وقد وردت آيات كثيرة في هذا التفاوت في الدرجة مع ملاحظة ان تفاوت الدرجات ليست بالغنى فليس الغنى درجة ، دونها حال الفقر إنما الدرجات الرفعة عند الله تعالى بالعمل الصالح ، ولو كان فقيرا أو ضعيفا تزدرية الأعين ، كما كانت حال المؤمنين الذين آمنوا بنوح ( عليه السلام والذي أمره الله سبحانه وتعالى أن يقول:( وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ31 ) ( هود ) .
إنما التفاوت في الدرجات بالقرب من الله والإيمان ومثل هذا قوله تعالى:( وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم 31 أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون 32 ولولا أن يكون الناس امة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمان لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون 33 ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون 34 وزخرفا وان كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين 35 ) ( الزخرف ) .
فإن الدرجات في هذه الآية واضح أن المراد منها الدرجات في الرفعة ، لا الدرجات في المال ، فالتفاوت في المال لا يكون درجات للأغنياء على الفقراء ، وقوله تعالى:(. . .ليتخذ بعضهم بعضا سخريا . . .32 ) ( الزخرف ) أي ليكون الحال أن يسخر الأغنياء الكافرون من الفقراء المؤمنين .
ولو كان المراد التفاوت بالمال ، لكان اعتراض الكافرين مسلما به ، إذ قالوا ( لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم ) أي في المال وكثرته .
وان المقصود من ذلك السياق أن نقول إن قوله تعالى:( وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ) أن المراد برفعة الدرجات هو إيمان بعض المؤمنين ورفعتهم ، وقد بين الله سبحانه وتعالى الحكمة من ذلك فقال ، ( ليبلوكم في ما آتاكم ) أي ليعاملكم معاملة من يختبركم فيما آتاكم من مال أو رفعة معنوية دينية حيث يزدري الكافرون الأغنياء المؤمنين الفقراء فيضيفون كفرا على كفرهم ويضيف أهل الإيمان إيمانا على إيمانهم بصبرهم على الأذى وليختبر الغنى في غناه فيشكر أم يكفر ، ويختبر الفقير في فقره فيرضى ويصبر فيؤجر ، أم يجزع ويكفر ويعاقب فالغنى نعمة يختبر صاحبها ، والفقر باس يختبر صاحبه .
والعاقبة إما عقاب وإما غفران ورحمة ، ولذا قال تعالى:( إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) .
( عن ربك سريع ) أي أن عقابه نازل لا محالة ومؤكد أنه آت لا ريب فيه ، وكل آت قريب ، ووصف سرعة العقاب لله تعالى يؤكد نزوله بالعاصي من غير تردد فيه ، فهو العادل الذي لا يبطئ في إقامة العدل ، ويسارع بإنزاله فليس المراد بالسرعة سرعة الزمان إنما المراد سرعة الإيقاع .
وإنه في مقابل هذا غفور رحيم يغفر لمن يشاء ورحيم بالخلق ، أجمعين ومن رحمته أن كان العذاب للعصاة ، والمغفرة لمن لم يشرك به شيئا وهذا كقوله تعالى:( نبئ عبادي إني أنا الغفور الرحيم 49 ) ( الحجر ) وقوله تعالى:( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب 6 ) ( الرعد ) .
اللهم اجعلنا أهلا لمغفرتك ورحمتك ، وجنبنا سريع عقابك ، واعف عنا وتجاوز عن سيئاتنا إنك أنت العفو الغفور .