( قل أغير الله ابغي ربا كل شيء ) .
امر الله تعالى نبيه أن يقول للمشركين في سياق الدليل على أنه لا يعبد سواه ولا رب سواه ، والاستفهام هنا إنكاري لإنكار الوقوع لا يمكن أن يقع مني ان ابغي غير الله ربا ويكون تقديم غير الله على الفعل . في معنى القصر أي لا أبغي غير الله تعالى ربا اعبده وعبر هنا بقوله ( ربا ) ولم يعبر بكلمة ( إلها ) مع أن المقصود هو العبادة إذ المعنى ابغي الله إلها وهو رب كل شيء ، للإشارة إلى التلازم بين الربوبية والإلوهية إذ أنهم كانوا يعترفون بان الله تعالى رب كل شيء وخالق كل شيء ولكنهم يفرقون ذلك عن العبادة فهم يعتقدون أن الله خالق كل شيء ولكنهم يعبدون الأوثان ويقولون:ما نعيدهم الا ليقربونا الى الله زلفى فقوله تعالى ( أغير الله ابغي ربا ) فيه إشارة الى الربوبية والخلق والتكوين ، والعبادة فالمعبود بحق هو الرب الخالق ، لا هذه الأوثان التي تتوهمون فيها سرا وتقريبا وما هي بشيء .
وقد أكد القصر في العبادة على الله تعالى بقوله:( وهو رب كل شيء ) وكانت هذه مقدمة منطقية مؤداها ، انه خالق كل شيء ، وخالق كل شيء هو المستحق للعبادة وحده ، لأنه مالك كل شيء .
وإن التعبير بقوله تعالى:( أغير الله ابغي ربا ) في التعبير ب ( رب ) مع ما اشرنا اليه من معنى التلازم بين الربوبية والعبودية فيه إشارة أخرى وهو انه لا يعبد غيره ولا يتوكل إلا عليه لأن الربوبية تقتضي ألا يلجا المؤمن إلا إليه سبحانه وتعالى وقد قال تعالى في معنى ذلك ، ( قل هو الرحمان آمنا به وعليه توكلنا . . .29 ) ( الملك ) وقال تعالى:(. . .فاعبده وتوكل عليه . . .123 ) ( هود ) .
وإن كل امرئ بما كسب رهين يحمل تبعات أعماله ولا يحمل وزر غيره ولذا قال تعالى:( ولا تكسب كل نفس الا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) .
قالوا ان المشركين كانوا يريدون من المؤمنين أن يرجعوا الى دينهم الذي تركوه وقالوا نتحمل وزركم ولا تتحملون آثاما ، فالله رد قولهم بهذا ، وما نحسب أن ذلك وقع ، إن كان قد وقع ، فالآية عامة لحقيقة رئيسة ، و ( الكسب ) الفعل الذي يصدر عن شخص مؤمن بما يفعل قد كسبته نفسه ، وقام بها ، ومعنى قوله تعالى:( ولا تكسب كل نفس الا عليها ) لا تكسب أي نفس عملا الا كانت مغبته ومآله عليها ، تتحمل تبعته إن شرا وتنال جزاءه إن كان خيرا وبذلك يكون النص محتملا الجزاء بنوعيه عقابا أو ثوابا .
ويصح أن الكسب هنا كسب الاثم ويكون عليها بالعذاب ، ويؤكد هذا المعنى قوله تعالى:( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) أي لا تحمل نفس وازرة وزر أخرى فكل امرئ بما كسب رهين ، وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى .
وإن جزاء الآخرة ثوابا وعقابا مبني على ذلك ، فلا يحاسب امرؤ بجريمة غيره ، ولا يلقى عن شخص جرم ليلحق على غيره والله تعالى علام الغيوب وكل يحمل كتابه .
ولكن في الدنيا عواقب للأعمال ، قد تتعدى الفاعل ، وقد قال تعالى:( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) ( التخريج ) فإنه إذا عم الفساد وطم سيله فسدت الجماعة وهلكت ولا يكون أثره مقصورا على العصاة ، بل يتعداه الى غيرهم كما قال تعالى:( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا متر فيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا 16 ) ( الإسراء ) .
وروى أن أم المؤمنين زينب بنت جحش سالت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلة:يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون فقال عليه السلام:( إذا عم الخبث ){[1086]} ، والخبث هنا هو المعاصي وأشدها الظلم والفاحشة وما يوعز بها وإن عموم الفساد يكون من إهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيعم العذاب ، كما قال عليه الصلاة والسلام:( لتأمرن بالمعروف ولتنهن عن المنكر ولتأخذن على يدي الظالم ، ولتأطرنه على الحق أطرا ، أو ليضربن على قلوب بعضكم ثم تدعون فلا يستجاب لكم ){[1087]} وغن عذاب يوم الدين لاحق بكل نفس كسبت ، أو قصدت ، ولذا قال تعالى:
( ثم الى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) .
( ثم ) هنا للتراخي والترتيب ، لان ذلك يوم الدين فيكون الجزاء العادل ، ينال كل امرئ ما كسب أو قصد فالله تعالى يجازي على التقصير في بيان حدود الله ومنع العصاة كما يجازي على ذات المعصية لان ترك الواجب معصية كارتكابها .
وقدم الجار والمجرور لبيان أن المرجع اليه وحده فهو الذي يملك يوم الدين وحده ، فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته عذابا أليما .
وقال تعالى:( فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) ( الفاء ) هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها ، أي هو الذي إليه وحده مرجعكم ، فلا يكون لأحد سواه الحكم في هذا اليوم والقول النافذ له وحده ، وهو حينئذ بقوله الطيب الصادق كبير بالحق ، فيما كانوا فيه يختلفون فيعبد فريق الأوثان ويؤمن بالله آخرون ويختلف النصارى فيما بينهم ، واليهود يختلفون مع أنفسهم وبينهم وبين أهل الحق من الناس ينبئ الله تعالى الناس بالحق ، والباطل قولا وعملا ، فيعذب المجرمين المبطلين ويحسن على المحسنين وكل امرئ وما كسبت يداه .