يقول تعالى:( قل ) يا محمد لهؤلاء المشركين بالله في إخلاص العبادة له والتوكل عليه:( أغير الله أبغي ربا ) أي:أطلب ربا سواه ، وهو رب كل شيء ، يربني ويحفظني ويكلؤني ويدبر أمري ، أي:لا أتوكل إلا عليه ، ولا أنيب إلا إليه; لأنه رب كل شيء ومليكه ، وله الخلق والأمر .
هذه الآية فيها الأمر بإخلاص التوكل ، كما تضمنت الآية التي قبلها إخلاص العبادة له لا شريك له . وهذا المعنى يقرن بالآخر كثيرا في القرآن كما قال تعالى مرشدا لعباده أن يقولوا:( إياك نعبد وإياك نستعين ) [ الفاتحة:5] ، وقوله ( فاعبده وتوكل عليه ) [ هود:123] ، وقوله ( قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا ) [ الملك:29] ، وقوله ( رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا ) [ المزمل:9] ، وأشباه ذلك من الآيات .
وقوله:( ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ) إخبار عن الواقع يوم القيامة في جزاء الله تعالى وحكمه وعدله ، أن النفوس إنما تجازى بأعمالها إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، وأنه لا يحمل من خطيئة أحد على أحد . وهذا من عدله تعالى ، كما قال:( وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى ) [ فاطر:18] ، وقوله ( فلا يخاف ظلما ولا هضما ) [ طه:112] ، قال علماء التفسير:فلا يظلم بأن يحمل عليه سيئات غيره ، ولا يهضم بأن ينقص من حسناته . وقال تعالى:( كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين ) [ المدثر:38 ، 39] ، معناه:كل نفس مرتهنة بعملها السيئ إلا أصحاب اليمين ، فإنه قد تعود بركات أعمالهم الصالحة على ذراريهم ، كما قال في سورة الطور:( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء ) [ الآية:21] ، أي:ألحقنا بهم ذرياتهم في المنزلة الرفيعة في الجنة ، وإن لم يكونوا قد شاركوهم في الأعمال ، بل في أصل الإيمان ، ( وما ألتناهم ) أي:أنقصنا أولئك السادة الرفعاء من أعمالهم شيئا حتى ساويناهم وهؤلاء الذين هم أنقص منهم منزلة ، بل رفعهم تعالى إلى منازل الآباء ببركة أعمالهم ، بفضله ومنته ثم قال:( كل امرئ بما كسب رهين ) [ الطور:21] ، أي:من شر .
وقوله:( ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون ) أي:اعملوا على مكانتكم إنا عاملون على ما نحن عليه ، فستعرضون ونعرض عليه ، وينبئنا وإياكم بأعمالنا وأعمالكم ، وما كنا نختلف فيه في الدار الدنيا ، كما قال تعالى:( قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون قل يجمع بيننا ربنا ثم يفتح بيننا بالحق وهو الفتاح العليم ) [ سبأ:25 ، 26] .