( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) .
إن المشركين لا يكتفون بالإعراض عن الحجج الثابتةوالبينات القاطعة ، ولا يكتفون بالافتراء على الآيات تتلى عليهم ، والاستهانة وقولهم إن هي إلا أساطير الأولين لا يكتفون بذلك ، بل تتعدى شرهم إلى غيرهم فهم ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الكريم هو آيات بينات ، فهم لا يهتدون ويمنعون الهداية عن غيرهم ينهونهم ، ويثيرن السخرية عليهم إن اتبعوا الهدى واستقاموا على الطريق المثلى ، وينأون عن النبي أي يبتعدون عن النبي صلى الله عليه وسلم ويتجافون مجلسه ، فهم يقومون بأعمال ثلاثة كلها انحراف عن الصراط المستقيم واتباع للغواية:أولها:الإعراض عن آيات الله تعالى وتكذيب النبي صلى الله عليه وسلم وثانيها:أنهم ينهون الناس عن اتباع الحق ، فهم ضالون مضلون والثالث:أنهم لكي يباعدون بينهم وبين الحق ، ولا يجعلون سبيلا لقلوبهم يجتهدون في ألا يلتقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فيتجافوا عن مجالسه لكيلا يكون منه منفذ للحق إلى قلوبهم ففيهم غواية ولجاجة .
وفي هذا التفسير الضمير في ( عنه ) وفي الحالين يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به .
وبعض المفسرين التابعين لبعض التابعين جعل الضمير في ينهون في الحالين يعود إلى عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم وأعمامه وكانوا عشرة ، فهم للعصبية التي كانت قائمة يذبون عن النبي صلى الله عليه وسلم وينهون المشركين عن
أن ينالوه وفي الوقت ينأون عن إجابته ولعل أوضح مثل لذلك أبو طالب ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم من أذاهم ويمتنع عن اتباعه مع أنه في قرارة نفسه كان يظنه على حق ولقد روى عنه شعر في ذلك فقد روى أنه قال:
والله لن يصلوا إليك بجمعهمحتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضةوابشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وزعمت أنك ناصحولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت دينا لا محالة إنهمن خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذارى سبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا .
وإن الأول هو المقبول المعقول لأن القرآن لا ينزل في حكم الآحاد الا إذا كان يؤدي إلى عموم والأول أظهر وهو عام فيؤخذ به .
وإنهم في إصرارهم وعنادهم ولجاجتهم في كفرهم ونهى الناس عن الاتباع بل فتنتهم يسيرون في طريق الفساد والضلال ولا يهلكون أحدا إلا أنفسهم لأن الدعوة إلى الحق ماضية فإن عوقها معوق فإلى حين إذ الضالون لا يشعرون أنهم يسيرون في طريق الهاوية ولو شعروا بها لتجنبوا وكذلك أهل الضلال دائما .