عطف على جملة{ ومنهم من يستمع إليك} ،والضميران المجروران عائدان إلى القرآن المشار إليه باسم الإشارة في قولهم:{ إن هذا إلاّ أساطير الأولين}[ الأنعام: 25] .ومعنى النهي عنه النهي عن استماعه .فهو من تعليق الحكم بالذات .والمراد حالة من أحوالها يعيّنها المقام .وكذلك الناي عنه معناه النأي عن استماعه ،أي هم ينهون الناس عن استماعه ويتباعدون عن استماعه .قال النابغة:
لقد نَهَيتُ بني ذبيانَ عن أُقُر *** وعن تربّعهم في كلّ أصفار
يعني نهيتهم عن الرعي في ذي أقر ،وهو حمى الملك النعمان بن الحارث الغسّاني .
وبين قوله:{ ينهون وينأون} الجناس القريب من التمام .
والقصر في قوله:{ وإنْ يهْلِكُون إلاّ أنْفسهم} قصر إضافي يفيد قلب اعتقادهم لأنّهم يظنّون بالنهي والنأي عن القرآن أنّهم يضرّون النبي صلى الله عليه وسلم لئلاّ يتّبعوه ولا يتّبعه الناس ،وهم إنّما يُهلكون أنفسهم بدوامهم على الضلال وبتضليل الناس ،فيحملون أوزارهم وأوزار الناس ،وفي هذه الجملة تسلية للرسول عليه الصلاة والسلام وأنّ ما أرادوا به نكايته إنّما يضرّون به أنفسهم .
وأصل الهلاك الموت .ويطلق على المضرّة الشديدة لأنّ الشائع بين الناس أنّ الموت أشدّ الضرّ .فالمراد بالهلاك هنا ما يلقونه في الدنيا من القتل والمذلّة عند نصر الإسلام وفي الآخرة من العذاب .
والنأي: البعد .وهو قاصر لا يتعدّى إلى مفعول إلاّ بحرف جرّ ،وما ورد متعدّياً بنفسه فذلك على طريق الحذف والإيصال في الضرورة .
وعقّب قوله:{ وإن يهلكون إلاّ أنفسهم} بقوله:{ وما يشعرون} زيادة في تحقيق الخطأ في اعتقادهم ،وإظهاراً لضعف عقولهم مع أنّهم كانوا يعدّون أنفسهم قادة للناس ،ولذلك فالوجه أن تكون الواو في قوله:{ وما يشعرون} للعطف لا للحال ليفيد ذلك كون ما بعدها مقصوداً به الإخبار المستقلّ لأنّ الناس يعُدّونهم أعظم عقلائهم .