قال تعالى:{ تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين ( 101 ) وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ( 102 )} .
الخطاب في قوله تعالى:{ تلك القرى} للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد جاء بالحق الذي يتفق مع الفطرة ، فكان يجد الكفر والإنكار والعصيان ومعاداة الله ورسوله ،
فتذهب نفسهم عليهم حسرات ، حتى قال الله تعالى:{ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ( 3 )}( الشعراء ) ، فالله تعالى يبين له العبرة في قصص النبيين ، وأن أقوامهم كفروا بهم وعاندوهم ، حتى جاء أولئك بأس الله ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، إنما أنت منذر ، ولكل قوم هاد .
والقرى:المجتمعات الكبيرة التي قص الله تعالى قصصها من أخبار قوم نوح ، وعاد وثمود ، وآل مدين ، وقوم لوط .
وقوله تعالى:{ نقص عليك من أنبائها} نتبع أخبارها القصص ، والأنباء:هي الأخبار ذات الشأن الخطر التي تفيد العظة والاعتبار ، والاطمئنان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
هذه أخبارهم أو أنباؤهم ذات الشأن{ ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} ، أي بالأدلة المعجزة الموجبة للإيمان ، وأكد – سبحانه وتعالى – أن الرسل جاءتهم بالبينات بقوله{ ولقد} ؛ لأن اللام للتأكيد ، وقد للتأكيد ، والتأكيد ليس لمجيء الرسل ، إنما هو لمجيئهم بالبينات التي فيها الحجج القاطعة التي لا يرتاب فيها طالب للحق ، وإنما يرتاب المرتابون الذين لا يؤمنون بحق ، ولا يطلبون الهداية ، ولا يخضعون للحق إن بدأت أماراته ، وظهرت ببيناته .
وقد وصف الله تعالى حال الذين يصلون ، ويختم على قلوبهم بالباطل ، فذكر أنهم مبادرون بالإنكار والتكذيب من غير أن يفحصوا ما جاء الرسول من أدلة فإذا سبق الإنكار والتكذيب تشبثوا بهما ، وقد حجبوا على أنفسهم النور وكلما أمعنوا في التعلق بما سبق إلى نفوسهم ازدادوا جحودا ولا تزيدهم إلا كفرا وإعناتا .
ولذا قال تعالى:{ فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} ( الفاء ) للإفصاح وإذ تفصح عن شرط مقدر ، وقوله تعالى:{ فما كانوا ليؤمنوا} أي ما كان من شأنهم أن يؤمنوا وقد سارعوا إلى التكذيب بمعنى أن يفحصوا بميزان الفعل ، ويثبتوا ، ولقد قال في ذلك ابن كثير في تفسيره والباء في قوله تعالى{ بما كذبوا} للسببية أي ما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد لهم ، حكاه ابن عطية رحمه الله ، وهو متجه حسن .
ولذلك لأن أول خاطر يتعلق بالنفس ، ويلتصق بالفكر ، فيكون التخلي عنه محتاجا إلى جهد لا يستطيعه إلا الصابرون ، وإن أولئك الذين يكذبون لأول وهلة من غير نظر ، يصلون إلى الحق بمجهودين:أولهما – الإنخلاع مما سبق إليهم ، والثاني – التماس البينات بلب سليم ، وفكر مستقيم قد خلا مما يعوقه .
ولقد بين تعالى أن هذا طريق إغلاق القلوب عن نور الحق{ كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} .