قوله تعالى:{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَآئِهَا} الآية .
ذكر أنباءهم مفصلة في مواضع كثيرة .كالآيات التي ذكر فيها خبر نوح وهود ،وصالح ولوط ،وشعيب وغيرهم ،مع أممهم صلوات الله وسلامه عليهم .
قوله تعالى:{فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} الآية .في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه من التفسير: بعضها يشهد له القرآن .
منها: أن المعنى فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم الله يوم أخذ الميثاق أنهم يكذبون به ،ولم يؤمنوا به ،لاستحالة التغير فيما سبق به العلم الأزلي ،ويروى هذا عن أبي بن كعب وأنس ،واختاره ابن جرير ،ويدل لهذا الوجه لآيات كثيرة كقوله:{إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [ يونس: 96] الآية ،وقوله:{وَمَا تُغْنِى الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [ يونس: 101] ونحو ذلك من الآيات .
ومنها: أن المعنى الآية أنهم أخذ عليهم الميثاق ،فآمنوا كرهاً ،فما كانوا ليؤمنوا بعد ذلك طوعاً .ويروى هذا عن السدي وهو راجع في المعنى إلى الأول .
ومنها: أن معنى الآية أنهم لو ردوا إلى الدنيا مرة لكفروا أيضاً ،فما كان ليؤمنوا في الرد إلى الدنيا بما كذبوا به من قبل أي في المرة الأولى .
ويروى هذا عن مجاهد .ويدل لمعنى هذا القول قوله تعالى:{وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [ الأنعام: 28] الآية .لكنه بعيد من ظاهر الآية .
ومنها: أن معنى الآية .فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم ،وهذا القول حكاه ابن عطية ،واستحسنه ابن كثير ،وهو من أقرب الأقوال لظاهر الآية الكريمة .ووجهه ظاهر ،لأن شؤم المبادرة إلى تكذيب الرسل سبب للطبع على القلوب والإبعاد عن الهدى ،والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة .كقوله تعالى:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [ النساء: 155] ،وقوله:{فَلَمَّا زَاغُواْ أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ} [ الصف: 5] ،وقوله:{فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا} [ البقرة: 10] ،وقوله:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ ءَامَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [ المنافقون: 3] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد تكون فيها أوجه من التفسير كلها يشهد له قرآن ،وكلها حق .فنذكر جميعهاوالعلم عند الله تعالى .