ولقد قال تعالى في جزاء الذين كذبوا بآيات الله ، فقال عز من قائل:
{ وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ( 147 )} .
هذا النص السامي وصف عام لكل المكذبين لآيات الله ولقائه وأخص من ينطبق عليهم المشركون الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
قوله تعالى:{ والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة} .
أنكر هؤلاء أمرين وكذبوهما .
أولهما – آيات الله تعالى أي معجزاته القاهرة الباهرة ، فلم يؤمنوا بموجبها ولم يصدقوا ما تدعوا إليه من إيمان ، وأهملوها ، وافتاتوا عليها ، فقالوا:سحر مبين ، وكذبوا بدلائل الوحدانية فيها فغفلوا عن إدراك ما تهدي إليه .
وثانيهما – كذبوا بلقاء الآخرة ، أي بلقاء الله تعالى في الآخرة ، أو كذبوا بلقاء الآخرة بأن كذبوا بالبعث وما يعقبه ، وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نلهو ونلعب ، وما نحن بمبعوثين ، وحسبوا أن الإنسان يترك سدى ، ونزلوا به عن مكانته التي خلقه الله تعالى عليها ، وجعل الملائكة يسجدون له خاضعين ، وحسبوا أن الله خلقهم عبثا ، وأنهم لا يرجعون .
وبسبب هذا التكذيب لهذين الأمرين أصدر الله تعالى الحكم ، فقال:{ حبطت أعمالهم} ، أي بطلت أعمالهم فلا ثواب لهم على عمل ، ولو كان فيه نفع ظاهر أو ظاهره النفع ؛ وذلك لأن الأعمال ثوابها بحسب القلوب ، وما دامت القلوب ممتلئة بالشرك ، مدرنة بتكذيب الحق فلا خير فيها ، ولا خير منها ، فإن إشراق الحكمة لا يكون إلا من قلب سليم .
ومع أن أعمالهم تكون باطلة لا ثواب فيها ، إلا أن عليهم العقاب فيما يرتكبون ؛ ولذا قال تعالى:{ هل يجزون إلا ما كانوا يعملون} .
الاستفهام هنا إنكاري لإنكار الوقوع بمعنى النفي ، وفيه معنى تأكيد النفي بمعنى أنه لا يتصور إلا أن يجزون بعملهم ، فهو نفى فيه معنى حصر العقاب فيهم .
وفي قوله تعالى:{ يجزون إلا ما كانوا} فيه بيان عدل الله تعالى في جزائه ، فالجزاء من العمل ذاته ، فهو الذي يقرره ، وكأن الجزاء هو ذات العمل لتساويهما وتلازمهما ، إنه العليم العدل الحكيم .