/م146
ثم قال تعالى:{ والذين كذّبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعمالهم هل يجزون إلاّ ما كانوا يعملون} الآيات في الآية التي قبل هذه بمعنى الدلائل والبينات من براهين عقلية ، نظرية كانت أو علمية أو كونية ، كآياته تعالى في الأنفس والآفاق ، ومنها معجزات الأنبياء عليهم السلام وأظهرها وأقواها القرآن العظيم ، من حيث هو دال على صدق النبي الأمي في دعوى الرسالة من وجوه كثيرة تقدم بيانها- وأما الآيات المذكورة في هذه الآية فالظاهر المتبادر أنها الآيات المنزلة من حيث اشتمالها على الهداية والإصلاح بتزكية الأنفس من خرافات الشرك وفساد الأخلاق ومنكرات الأعمال .واللقاء مصدر لقي الشيء أو الشخص ولاقاه كالملاقاة إذا صادفه أو قابله أو انتهى إليه يقال لقي زيدا ولاقاه ولقي خيرا أو شرا{ لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا} [ الكهف:62] و ( من يلق خيرا يحمد الناس أمره ) ولقي جزاءه .قال الراغب:وملاقاة الله عز وجل عبارة عن القيامة وعن المصير إليه قال:{ واعلموا أنكم ملاقوه} [ البقرة:223]{ وقال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله} [ البقرة:249] .
والمعنى والذين كذبوا بآياتنا المنزلة بالحق والهدى على رسلنا فلم يؤمنوا لهم ولا اهتدوا بها ، وكذبوا بلقاء الآخرة وما يكون فيها من الجزاء على الأعمال –على الخير بالثواب وعلى الشر بالعقاب فاتبعوا أهواءهم- لا يجزون هنالك إلا ما كان من تأثير أعمالهم النفسية والبدنية معا أو النفسية فقط كترك الواجبات في أرواحهم وأنفسهم من حق وخير زكاها وأصلحها أو من باطل وشر دسّاها وأفسدها- إن الله لا يظلم الناس في الجزاء مثقال ذرة وإنما مضت سنته بجعل الجزاء في الآخرة أثرا للعمل مرتبا عليه ترتب المسبب على السبب كأنه هو نفسه وقد شرحنا هذا المعنى مرارا .