وقد عصوا أمر ربهم ، وذكروا بموعظة قومهم فنسوا ما ذكروا ، ومنهم من لم ينس فقط ، بل استكبروا عاتين عن أمر ربهم ، وقال تعالى في مؤاخذتهم فابتدأ بمن عتوا فقال تعالى:{ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ ( 165 )} .
( الفاء ) هنا لارتباط ما بعدها بما قبلها ، أو للإفصاح عن شرط مقدر تقديره وإذا كان النهي من الناهين وتقديره المعذرة لرب العالمين ، فقد كان استقبالهم لذلك ، بين قوم نسوا ما ذكروا ، ومن ذكورهم .
والنسيان غفلة العقل عن تذكر ما نبه إليه ، وقد يكون غفلة النفس عن إدراك ما ذكرت به ، والنسيان غفلة النفس عن الحق بعد التذكير به ، والمعنى حينئذ:ولمات غفلوا عن الحق وأهملوه تاركين له كان أولئك بين يدي الحق – فريقين:فريق نهى وذكر ، وفريق غفل الحق وأهمل ، وذكر ما يستحق كل فريق:
فقال فيمن ذكر ونهى:{ أنجينا الذين ينهون عن السوء} ، أي عن الفعل الذي هو سيء وليس بحسن في شيء ، فهو سيء في ذاته ، وسيء إلى الناس فيفسد جماعتهم ، وإلى النفوس فيرسها بالباطل ، والحق فينكره ، وتسوء عقباه بالعذاب يوم القيامة .
أنجاهم الله تعالى لأنهم اهتدوا ، ودعوا العصاة إلى الهداية فقاموا بالمعروف ونهوا عن المنكر ، وأما الذين نسوا الذكر وغفلوا عنه وأهملوه فإن الله تعالى قال فيهم:{ وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون} .
بئيس من البأس ، وهو الشدة والقوة ، فالعذاب البئيس هو العذاب الشديد العنيف في ذاته الذي يلقي بالبؤس في ذاته .
وعبر الله تعالى عن الذين نسوا ما ذكروا به ب{ الذين ظلموا} لأنهم إذ نسوا ما ذكروا به استمرءوا الشر الذي وقعوا فيه ، وأدى بهم ذلك إلى ظلم أنفسهم والناس والحق ، فكانوا ظالمين ، وكان العقاب الشديد البأس في ذاته بسبب ذلك الظلم لأن صلة الموصول في{ الذين ظلموا} ، وهذا الظلم هو سبب العقاب الشديد .
وقوله تعالى:{ وأخذنا الذين ظلموا} أي:أخذناهم من مراقدهم مصحوبين بعذاب شديد ، فالباء للمصاحبة كقول القائل لمن أساء أخذناه بالعقاب ، أي أخذناه مصاحبا للعقاب .
وذكر – سبحانه وتعالى – سبب ذلك الأخذ الشديد ، فقال:{ بما كانوا يفسقون} ، أي بسبب استمرارهم على الفسق الذي كان يتجدد ويستمر ، والفسق الخروج عن الحق .
وقد وصفهم الله تعالى بوصفين ؛ وهما الفسق والظلم ، والفسق هو الانحراف والخروج من نور الحق ، والظلم ما ترتب على ذلك من إيذاء أنفسهم وإيذاء غيرهم .