وقد صور الله تعالى حال ذلك الذي تأتيه آيات الله نيرة سابغة فينسلخ منها فقال تعالى:
{ ولو نشاء لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} .
أي إن ذلك انسلخ من آيات الله تعالى ، وقد أسبغها الله تعالى عليه لو شاء الله لرفعه بها إلى أعلى الدرجات لو سلك سبيله ، واتجه إليه ولم ينسلخ عنها ؛ ولذا قال تعالى:{ ولو شئنا لرفعناه بها} لو شئنا له أن يهتدي رفعناه بها إلى مقام المؤمنين الصادقين ، لو كان قد سلك سبيلنا ولم يرفض نعمة البيان وإسباغ الآيات ، ولكنه أخلد إلى الأرض وسكن فيها بنزواتها وأهوائها وشهواتها ، واتبع هواه ، فلم يسيطر على شهواته ، وكان عبدا لها ، فاستوى عنده البينات والظلام ، ولذلك مثله الله تعالى بالكلب الذي يندلع لسانه لاهثا دائما ، فقال تعالت كلماته:
{ فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث} .
أي إن حاله كحال الكلب المندلع لسانه ، إن تحمل عليه بأن تهيجه ينبح مندلعا لسانه ، وإن تتركه من غير تهييج ينبح مندلعا لسانه أيضا .
أي إن أولئك الذين ينسلخون من الآيات التي ينعم الله تعالى عليهم ببيانها يستوي عندهم البيان والترك بل إنهم يضلون دائما ، إن ضلالهم في حال البيان أشد وأوغل ، فالجامع بين المشبه والمشبه به هو البقاء على حال سوء دائما ، سواء أكان البيان أم لم يكن .
وقد شبههم الله تعالى بالكلب ، في أقبح صوره ، وهي الحال التي يكون فيها خارج اللسان يسيل فيها لعابه ، وهي أقبح مناظره ؛ ولذا قال تعالى:{ ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا} ، أي تلك الحال التي قصصناها وبيناها ، حال الذين كذبوا بآياتنا نقدوا تفكيرهم وتقديرهم للأمور ، فلم يعرفوا الفرق بين النور الذي تجيء به الآيات هادية مرشدة ، وبين الظلام الذي يعمهون فيه متحيرين ، وكانت حالهم لحال هذا الحيوان في أقبح صوره .
إذا كانت هذه حالهم ، ومآل أمرهم ،{ فاقصص القصص} الفاء كما ترى للإفصاح ، ومعنى القصص:اذكر حالهم وخبرهم ، فإنه يصور حالهم{ لعلهم يتفكرون} ، أي لعل هذا التصوير الذي نقصه عليهم يحملهم على التنبه في حالهم العقلية التي ينزلون فيها إلى الحيوان الذي لا يدري الفرق فيما يعمل ، فيتفكرون ويتدبرون الآيات ولا ينسلخون منها ..