الساعة:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ ( 187 ) قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( 188 )
يقول ابن كثير:إن هذه الآية مكية ، وإن كانت في سورة أكثرها مدني ، وإن لذلك موضعا فيما نقول عن السائل من هو ؟ فقيل:إن السؤال من يهودي ليعجز النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وعلى ذلك يرجح كون الآية مدنية ، وقيل – ويرجحه الحافظ ابن كثير – إن السائل من قريش قالها استبعادا لوقوعها ، واستعجالا لها لأنه لا يؤمن بها ، كأنه يقول للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:إن كنت صادقا فبين متى تجيء كما قال تعالى:{ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا عن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد ( 18 )} ( الشورى ) ، وقال تعالى عن كفار قريش:{ ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ( 71 )} ( النمل ) .
ونقول:إن السؤال عن الساعة يرد خاطر المؤمن والكافر ، فالكافر يسأل مستبعدا ، والمؤمن يسأل لأنه يؤمن بها ، والعقل طلعة يريد أن يعرف زمانها ، وتعرف المجهول المستور غاية من غايات العقول ، تتطلع لمعرفته .
سؤالهم ذكره الله تعالى بصيغة{ أيان مرساها} المرسى:اسم زمان أو مكان ، ويطلق على مرسى السفن ؛ ونهاية مسير المركب إلى الأرض اليابسة .
والمعنى يسألون عن وقت تنتهي إلى المرسى الذي ترسى إليه أو إلى الزمن الذي ترسى إليه ، وتنتهي عنده ، فشبه زمن وجودها بالمرسى الذي ترسى عنده السفن ، ويكون المعنى على هذا أيان ينتهي الزمن إليها ، وأي قدر من الوقت يمضي حتى نعرف منتهاها .
أجاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله الذي أمره به ربه{ قل إنما علمها عند ربي} ، أي إن علمها عند ربي وحده لا يعلمها أحد سواه ، ولذلك عبر – سبحانه وتعالى – ب ( إنما ) الدالة على القصر ، ولقد صرح الله تعالى بهذا القصر ، وقال تعالى على لسان نبيه الكريم:{ لا يجليها لوقتها إلا هو} ، أي لا يوضحها فغي وقتها إذ يجيء إلا الله ، فاللام هنا بمعنى ( في ) ، كما قال تعالى:{ أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل . . . . . . . . . ( 78 )} ( الإسراء ) ، أو تتعلق بمحذوف ، ويكون السياق هكذا لا يوضحها ذكرا لميقاتها إلا الله تعالى .
{ ثقلت في السماوات والأرض} وقد وصفها الله تعالى بأنها تثقل على النفوس ؛ لأنها تشتمل على وقت الحساب ، والكافر يحس بعظم ما ارتكب ، والمؤمن لا تزين له أعماله فيحسبها كلها حسنة فهو مشفق منها ، والمغتر بما عمل من أعمال حسنة فهو مشفق منها ، ثم هي عندما تجيء يختل نظام الكون ويضطرب ، فإذا جاءت انشقت السماء ، وانتثرت الكواكب والنجوم ، وكورت الشمس ، وسيرت الجبال ، فثقلت على النفوس وصعب احتمال ما يصحبها .
وإنها تكون حيث لا علم بها ، ولا توقع لها ؛ ولذلك قال:{ لا تأتيكم إلا بغتة} إلا مباغتة لا تتوقعون مجيئها ، وذلك يزيد في ثقلها .
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشراطا لها ، تنذر بقربها ، ولكنها لا تعين ميعادها ، وإذا جاءت لا تفنى أن مجيئها كان بغتة ، فالأشراط مقربة للزمان ، وليست معينة له .
ويقول اله تعالى:{ يسألونك كأنك حفي عنها} وقالوا:إن ( حفى ) معناها عالم ، وعدى ب ( عن ) على معنى كأنك عالم شيئا عنها ، وقد فسرها عبد الله بن عباس بأنه ( كأن ) وبينها مودة تتقاضاك أن تعرف الكثير عنها ، فإنه يقال في العربية إن فلانا حفى بفلان أي بينه وبينه مودة تقتضي أن يعرف عنه الكثير مما عنده ، والمؤدى واحد ، وهو أن سؤال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنهم يحسبون أنه عالم به أو{ حفي} ومعنى بأن يعرف عنها عما يعرف .
وذكر السؤال عنها مرة أخرى لاختلاف متعلق السؤال ، فالسؤال في الأول لمعرفة ميقاتها ، وتكرار ذكر السؤال لبيان ظنهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حفى بمعرفة شيء عنها .
وهكذا التكرار في القرآن لا يعد تكرارا ؛ لأن ذكر اللفظ المكرر يكون ذكره لمقصد آخر ، غير المقصد ، وقد أشرنا إلى ذلك عند الكلام في قصص القرآن الكريم .
ولقد قال الزمخشري:فإن قلت لم كرر{ يسألونك} وإنما علمها عند الله ؟ قلت للتأكيد ، ولما جاء به من زيادة{ كأنك حفي عنها} وعلى هذا تكرار العلماء الحذاق في كتبهم لا يخلون المكرر من فائدة زائدة .
ولقد أمر الله تعالى نبيه بأن يقول لهم ما أمره به أولا ، وهو:{ إنما علمها عند ربي} وذلك لتأكيد اختصاص علم الله تعالى بها ، كما قال تعالى:{ إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت . . . . . . . . . . . ( 34 )} ( لقمان ) .
وإنما جهل الله تعالى العلم بالساعة لكي يقدم الناس على أعمالهم جاهدين مثمرين مستغلين الأرض مخرجين خيراتها ، ولو علموا زمانها ، لقلت همتهم ، وضعفت عن الإنتاج والإثمار عزيمتهم ، والإسلام لا يريد أن يفتروا في أعمال الحياة والعبادة وأن يتموا أعمالهم ، ولا يبطلوها ، ولقد ورد أنه جاءت ، والرجل قد أخذ يزرع فسيلة فعليه أن يتم ما بدأ ( 1 ){[1136]} ثم ختم الله – سبحانه – الآية بقوله تعالى:{ ولكن أكثر الناس لا يعلمون} الاستدراك هنا عما وهمه الناس من أن العلم بميقات الساعة ينفع ولا يضر ، ولذا قال أكثر الناس لا يعلمون حكمة القادر الحكيم العليم ، فيما يبين ويترك بيانه لميقاتها ، والله – سبحانه وتعالى – بكل شيء عليم .