{السَّاعَةِ}: الوقت الذي يفنى فيه الوجود .
{مُرْسَاهَا}: إثباتها وحصولها .
{حَفِيٌّ}: مستقصٍ في السؤال .
مناسبة النزول
جاء في مناسبة نزول آية{يَسْألُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ..} أن قريشاً بعثوا العاص بن وائل السهمي والنضر بن الحارث بن كلدة وعقبة بن أبي معيط إلى نجران ،ليتعلموا من علماء اليهود مسائل يسألونها من رسول الله ،وكان في ما سألوا محمداً( ص ): متى تقوم الساعة ؟فأنزل الله تعالى:{يَسألُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} .
لا يعلم موعد القيامة إلا الله تعالى
لقد جاء الإسلام ،وطرح كثيراً من المفاهيم حول كثير من القضايا المتصلة بالغيب والحياة ،كما طرحتها الأديان الأخرى من قبله ،وجاء محمد( ص ) يقدّم نفسه للناس كرسولٍ من الله ،يتلقى منه الوحي فيلقيه إليهم ،وكان يوم القيامةوهو ما يعبّر عنه القرآن بالساعةمن بين هذه المفاهيم التي تثير التساؤل ،وتدفع إلى الجدل وتواجه المؤمنين بها كما تواجه المنكرين لها… ويكثر السؤال عنها ،عن طبيعتها ،وعن خصائصها ،وعن موعدها متى هو ؟ويختلف السائلون بين من يطلب المعرفة ،وبين من يقصد التحدّي أو العبث ،وكانت قريش الكافرة برسول الله تعتمد التحدي لإحراج الرسول بالاقتراحات التعجيزية وبالأسئلة غير المعقولة .ومنها هذا السؤال ،{يَسْألونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا} ،في أي شاطىء من شواطىء الزمن الممتد كالبحر الذي تتحرك فيه سفينة القيامة ؟
علم الساعة عند الله تعالى
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ} ،لأنها من أسرار الغيب التي لا يعلمها إلا الله ،ولا يظهرها إلا هو ،في ما حدّد لها من وقتٍ .{ثَقُلَتْ في السَّمواَتِ وَالأرضِ} أي ثقل وقعها في ما تمثله من مواجهة المسؤولية على مستوى قضية المصير وما تؤدّي إليه من الخوف من غضب الله وسخطه ؛وهذا ما لا تقوم له السموات والأرضكما في دعاء كميلأو ثقل علمها عليها باعتبار النتائج الصعبة التي تحدث عند وجودها ،وبهذا يلتقي ثقل علمها بثقل وجودها .{لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً} أي فجأة ،لأننا إذا كنا نجهل موعدها ،فلا بد أن تكون مفاجأةً لنا في أي وقتٍ .
{يَسْألُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا} أي عالم بها ،فهم يعتقدون أن علاقتك بالله من خلال الرسالة تجعلك في موقع العالم بكل شيءٍ يتصل بالغيب ،لأن الرسول يمثل في وعيهم شخصاً غير عادي ،مزوّداً بقوّةٍ خفيةٍ يعلم بها كل الأمور ،ويسيطر بها على كل الأشياء ،ولكن الله يوحي إلى رسوله أنه لا يملك أية إمكانياتٍ ذاتيةٍ لهذه المعرفة ،فهي من وسائل الغيب التي اختصّ الله بعلمها .
{قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} أبعاد القضايا المتصلة بشخصية الرسول وإمكاناتها .