سبب النّزول
أيّان يومُ القيامة ؟!
وفقاً لمّا ورد في بعض الرّوايات{[1501]} فإنّ قريشاً أرسلت عدّة أنفار إلى نجران ليسألوا اليهود الساكنين فيهاإضافة إلى المسيحيين هناكمسائل ملتوية ثمّ يلقوها على النّبي عند رجوعهم إليه ،ظنّاً منهم أنّ النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيعجز عن إجابتهم ،ومن جملة هذه الأسئلة كان هذا السؤال: متى تقوم الساعة ؟!فلما سألوا النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم )ذلك السؤال نزلت الآية محل البحث وأفحمتهم{[1502]} !
التّفسير
مع أنّ هذه الآية ذات سبب خاص في النّزولكما ذكرواإلاّ أنّها في الوقت ذاته لها علاقة وثيقة بالآيات المتقدمة أيضاً ،لأنّه قد وردت الإشارة إلى يوم القيامة ولزوم الاستعداد لمثل ذلك اليوم في الآيات السابقة .وبالطبع فإنّ موضوعاً كهذا يستدعي السؤال عن موعده وقيامه ،ويستثير كثيراً من الناس أن يسألوه: أيّان يوم القيامة ؟لهذا فإنّ القرآن يقول: ( يسألونك عن الساعة أيّان مرساها ) ؟!
وبالرغم من أنّ «الساعة » تعني زمان نهاية الدنيا ،إلاّ أنّها في الغالبأو دائماً كما ذهب البعضتأتي بمعنى القيامة في القرآن الكريم ،وخاصّة من بعض القرائن التي تكتنف الآيةمحل البحثإذ تؤكّد هذا الموضوع كجملة: متى تقوم الساعة ؟الواردة في شأن نزول الآية:
وكلمة «أيّان » تساوي «متى » وهما للسّؤال عن الزمان ،والمرسى مصدر ميمي من الإِرساء ،وهما بمعنى واحد ،وهو ثبات الشيء أو وقوعه ،لذلك يطلق على الحبل وصف «الراسي » فيقال: جبال راسيات ،فبناءً على ذلك فإنّ «أيّان مرساها » تعني: في أي وقت تقع القيامة وتكون ثابتةً ؟!
ثمّ تضيف الآية مخاطبة النّبي أن يردهم بصراحة قائلة: ( قل إنّما علمها عند ربّي لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو ) .
إلاّ أنّ الآية تذكر علامتين مجملتين ،فتقول أوّلا: ( ثقلت في السموات والأرض ) .
أية حادثة يمكن أن تكون أثقل من هذه ،إذ تضطرب لهولها جميع الأجرام السماوية «قبيل القيامة » فتخمد الشمس ويُظلم القمر وتندثر النجوم ،ويتكون من بقاياها عالم جديد بثوب آخر{[1503]} !
ثمّ إنّ قيام الساعة يكون على حين غرّة ،وبدون مقدمات تدريجية ،بل على شكل مفاجئ وانقلاب سريع .
ثمّ تقول الآية مرّة أُخرى: ( يسألونك كأنّك حفىّ عنها ){[1504]} .
وتضيف الآية مخاطبة النّبي الكريم: ( قل إنّما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) .
وربّما يسألأو يتساءلبعض الناس: لِمَ كان علم الساعة خاصّاً بالله وذاته المقدسة ،ولا يعلم بها حتى الأنبياء ؟!
والجواب على ذلك: إن عدم معرفة الناس بوقوع يوم القيامة وزمانها «بضميمة كون القيامة لا تأتي إلاّ بغتة » ومع الالتفات إلى هول يوم القيامة وعظمتها ،هذا الأمر يبعث على أن يتوقّع الناس وقوع يوم القيامة في أي وقت ويترقبوها باستمرار ،ويكونوا على أهبة الاستعداد والتهيؤ ،لكي ينجوا من أهوالها .فعدم المعرفة هذا له أثر مثبت جلي في تربية النفوس والالتفات إلى المسؤولية واتقاء الذنوب .