{قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ} ،لأني لا أملك طاقةً ذاتيةً غير عاديةٍ ،فأنا مجرّد إنسانٍ أتحرك من خلال الطاقة الإنسانية الطبيعية في ما يملك الإنسان لنفسه من النفع والضرر بالوسائل التي وهبها الله له ،أو من خلال إرادة الله ومشيئته في ما يوجهه إليه من نفع أو ضرر بوسائل غير عادية ،كما أني لا أعلم الغيب من موقع القدرة الذاتية ،فليس لدي أسرار تكوينية في وجودي تفتح لي أبواب الغيب ،بل القضية هي أن أنتظر الوحي الذي ينزله الله عليّ ،أو المعرفة التي يلهمني إياها ،لأحصل على معرفة بعض الغيب الذي يريد الله لي أن أعلمه .{وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ} في الفرص المستقبلية التي قد يحتاج انتهازها إلى إعدادٍ طويل يبدأ من الحاضر ،{وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ} في ما يحتاج الإنسان فيه إلى القيام ببعض الخطوات الوقائية التي تمنع المرض أو الفقر أو البلاء ،مما يكون سببه بيده واختياره عند معرفته له وعلمه به .ولكنيفي واقع حياتي العمليةأواجه كثيراً من الفرص الضائعة ،أو من المشاكل الجسدية والمادية ،لأني لم أملك المعرفة التي تمكّنني من تلافي ذلك كله ،لأن كل ما أملكه مما يميزني عن الآخرين في مواقع الصفة البشرية هو الرسالة ،التي تسمح بتلقّي الوحي الإلهي بطريقةٍ غير عادية ،ثم إبلاغه بطرقٍ عاديةٍ ،{إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} في ما أنذرهم به من عقاب الله على أساس عصيان أوامره ونواهيه ،وما أبشرهم به من ثوابه على أساس طاعته في ذلك كله .
الصورة التي يرسمها القرآن لشخصية النبي
وقد نستوحي من هذه الآية الصورة القرآنية الواضحة للشخصية النبوية ،بكل بساطتها ووضوحها التي أكّد الله ملامحها في أكثر من آية ،بعيداً عن كل الصور الفلسفية اللاهوتية التي أحاطه بها كثيرون ممن حاولوا التعمُّق في شخصيّته ،فاستغرقوا في الحديث عن الأسرار والأجواء الخفية الغيبية ،وحولوا النبي إلى شخصية تملك كل القدرات غير العادية ،بحيث لا يميّزه عن صفة الألوهية إلا أن الصفة للإله ذاتية بينما هي في النبي مخلوقة .وقد حاول البعض أن يجعل هذه الصورة للأئمة أو للأولياء ،ونحن نتحفظ في ذلك كله ،لأننا نعتقد أن ما يصوره القرآن يمثل الصورة الحقيقية للمفاهيم وللشخصيات بوجهها العام ،بحيث تخضع كل التفاصيل لملامح تلك الصورة ...ولو كان هناك شيءٌ من الأسرار الذاتية الخفيّة ،في ما يدخل في نطاق الخط الفكري للعقيدة ،لبيَّنه القرآن في ما يريد لنا اعتقاده ،أو لبيَّن الصورة المخالفة أو التي توحي بالمخالفة ...إننا نعتبر القرآن مقياساً لصحة الأحاديث وفسادها ،لأنه الكتاب الذي{لاَّ يَأْتِيهِ الْبَطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [ فصلت: 42] ،«وكلُّ حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرفٌ » .
وقد نحتاج إلى إثارة فكرةٍ في هذا المجال ،وهي أن علينا في ما لم نكلّف بعلمه أو بالاعتقاد بهمن تفاصيل شخصية النبي أو الإمامأن لا نفيض كثيراً فيه ،لأنه يتحول إلى نوعٍ من الترف الفكري ،وربما يقودنا إلى بعض الانحرافات أو الخلافات الجدلية التي لا ضرورة لها .
إننا نعتقد أن عظمة النبي تكمن في أنه يجسّد شخصية رسالته في شخصيته أصدق تجسيد ،وبذلك يبلغ الذروة في الكمال ،لأن الرسالة هي قمّة الكمال الإنساني في مستوى قدرة الإنسان على الكمال ،وليس هناك شيءفي ما نعلمخارج نطاق الخط الرسالي للحياة وللإنسان .