قوله:{قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله} أي أبلغ هؤلاء الذين يسألونك عن الساعة متى تقوم: أنني لست قادرا على تحصيل النفع أو الخبر لنفسي ،ولا دفع الضر أو المكروه أن يحل بي إلا ما شاء الله لي أن أقدر عليه من ذلك وهو أن يمكنني ربي من ذلك ويعينني عليه .ومن كانت هذه حاله من ضعف الاستطاعة وهوان الاقتدار ؛فأحرى أن لا يعلم متى تقوم الساعة ،ولأنها من مستور الغيب الذي لا يعلمه إلا الله .
قوله:{ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} إنني لا علم لي بالغيب ،ولو كنت أعلمه ،فأعلم ما هو كائن وما ليس بكائن لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير والمنافع واجتناب المضار والمكاره كيلا يمسني منها شيء ،فلا أكون –مثلا- غالبا في الحرب مرة ،ومغلوبا مرة أخرى ،ورابحا في التجارات مرة ،وخاسرا مرة أخرى ،ومصيبا في التدبير مرة ،ومخطئا مرة أخرى .بل لكنت دائما غالبا ورابحا ومصيبا .
بمثل هذه الصراحة الكاملة وهذا الوضوح التام يأمر الله رسوله الكريم بمخاطبة قومه .خطاب لهم ظاهر ومستبين لا لبس فيه ولا إشكال .خطاب فيه من طهر الغاية والمقصود واستقامة المنهج والأسلوب ووضوح المعنى وكماله ما يزجي بأبلغ برهان على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم .لا جرم أن هذه واحدة من الدلائل البلجة على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه مبعوث من عند الله أرسله للعالمين هاديا ومنيرا .
قوله:{إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} أي ليس من شأني أن أعلم الغيب بل ،إني لست إلا رسولا من عند الله أرسلني إليكم لأنذر عقابه من عصاه منكم وخالف أمره ،وأبشر بثوابه وجزائه من آمن به وأطاعه واتقاه ،على أن المنتفعين ببشارة الرسول صلى الله عليه وسلم ونذارته هم المؤمنون الذين يستقينون بحقية ما جاءهم به من عند الله .ومن أجل ذلك خص المؤمنين هنا بالذكر{[1598]} .