قوله تعالى:{هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهم لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين 189 فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون} ذلك إخبار من الله تعالى أنه خلق البشرية من أصل واحد وهو آدم ،وخلق من آدم زوجه حواء{ليسكن إليها} أي ليستأنس بها ويطمئن ويستريح{[1599]} ،وذلك بعد أن خلقها الله من أحد أضلاعه .وكان ذلك حال كونهما في الجنة .ولما أهبطهما الله إلى الدنيا بدأت بهما مرحلة أخرى جديدة .وتلك هي مرحلة الحياة الدنيا .بما فيها من امتحان طويل وحافل ،وبما يتخللها من مشكلات ومعضلات ونائبات وبلايا حتى يرث الله الأرض وما عليها .لقد كانت بداية هذه المرحلة عقب التوالد والتناسل وانبزاغ الذرية .ويشير إلى ذلك قوله:{فلما تغشاها حملت خفيفا} وهذا كناية عن الجماع .وبذلك حملت حملها الخفيف ؛أي الحمل غير الظاهر ولا المستبين{فمرت به} أي استخفته فقامت به وقعدت من غير تثاقل ولا مشقة .
قوله:{فلما أثقلت دعوا الله لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين} صالحا ،منصوب ؛لأنه صفة للمفعول به الثاني المحذوف .والتقدير: ابنا صالحا .والمفعول به الأول الضمير ( نا ) في قوله{آتيتنا}{[1600]} أي لما صارت حواء ذات ثقل ،إذ كبر الجنين في بطنها واقتربت ولادته نادى آدم وحواء ربهما قائلين: يا ربنا{لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين} والمراد بالصلاح هنا: أن يكون المولود بشرا سويا وليس غيره كبهيمة أو شيئا غير الإنسان .وقيل: الصلاح في استواء الخلق .وقيل: الصلاح في الدين .وقيل: في العقل والتدبير .أو الصلاح في عموم ذلك كله ؛فقد أقسما{لئن آتيتنا صالحا} بكل معاني الصلاح{لنكونن من الشاكرين} أي ممن يشكرك على خير ما مننت به علينا من الولد السوي الصالح .