{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إن أناْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ( 188 )}
المفردات:
نذير: منذر بوعيد الله للعصاة والكافرين .
وبشير: ومبشر بوعد الله لكل من يؤمن بالله .
التفسير:
{188 - قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ ...} الآية .
تمهيد:
بينت الآية السابقة أن علم الساعة عند الله وحده ،وفي هذه الآية بيان لأساس من أسس العقيدة ،إذ بينت حقيقة الرسالة وفصلت بينها وبين الربوبية ،وهدّمت قواعد الشرك ،واجتثت جذور الوثنية فالرسول بشر يوحى إليه ،وظيفته التبليغ والتبشير للطائعين ،والإنذار للعصاة والمشركين ،ولا يعلم الغيب إلا بمقدار ما يريد الله إطلاعه عليه .
{قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ} .
أي: قل أيها الرسول لمن سألك عن الساعة ظانا أن عندك علم بالغيب ،واطلاع على شئون المستقبل – قل لهم: إني بشر مثلكم ،وإني لا أملك لنفسي ولا لغيري ،جلب نفع ولا دفع ضر مستقلا بقدرتي على ذلك ،وإنما أملكهما بقدرة الله ،فإذا أقدرني على جلب النفع ،جلبته بفعل أسبابه ،وإذا أقدرني على منع الضر ،منعته بتسخير الأسباب كذلك .
وقد كان المسلمون ولا سيما حديثو العهد بالإسلام ؛يظنون أن منصب الرسالة يقتضي علم الساعة ؛وغيرها من علم الغيب ،وأن الرسول يقدر على ما لا يصل إليه كسب البشر من جلب النفع ومنع الضر عن نفسه ،وعمن يحب أو عمن يشاء ...
فأمره الله أن يبين للناس ،أن منصب الرسالة لا يقتضي ذلك ،وأن وظيفة الرسول هي التعليم والإرشاد ،لا الخلق والإيجاد ،وأنه لا يعلم الغيب إلا ما علمه الله عن طريق الوحي .{قل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلي ...}
{ولو كنت أعلم لغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء} .
أي: لو كنت أعرف أمر المستقبل ؛لكانت حالي على خلاف ما هي عليه من استكثار الخير ،واجتناب السوء والمضار ؛حتى لا يمسني شيء منها ،ولم أكن غالبا مرة ،ومغلوبا أخرى .
قال الشوكاني:
أي: لاشتريت حين يكون فيما أشتريه الربح ،وبعت حين يكون الربح في البيع ؛فيكثر مالي ولا أخسر في بيع ،ولتعرضت لما فيه الخير فجلبته لنفسي ،وتوقّيت ما في السوء ؛حتى لا يمسني .
قال ابن كثير:
أمره الله تعالى أن يفوض الأمر إليه وأن يخبر عن نفسه أنه لا يعلم الغيب في المستقبل ،ولا اطلاع له على شيء من ذلك ،إلا ما أطلعه الله عليه ،كما قال:{عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا} . ( الجن: 26 ) .
{إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون} .أي: لست إلا مبلغا عن الله لأحكامه ،أنذر بها قوما ،وأبشر بها آخرين ،ولست أعلم بغيب الله سبحانه .أي: وليس الإخبار بالغيب من مهمتي ،ولا العلم به من صفتي .
{لقوم يؤمنون}: لأن المؤمنين هم الذين ينتفعون بالإنذار والتبشير ،فنصّ القرآن على محل النفع والفائدة على حدّ قوله تعالى:{هدى للمتقين} .
وقوله سبحانه: فذكّر بالقرآن من يخاف وعيد .