{ من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون}
إن من لا يؤمن بشيء كتب الله تعالى عليه الضلالة ؛ لأنه سلك طريق الغي ، واتخذه سبيلا ، فسار فيه من غير تبصر ، وبذلك كتب الله تعالى عليه الضلال ، وعبر عنه بأن اله أضله ، فإن الله لا يكتب الضلالة إلا لمن سار في طريقها ، واختار سبيل الغي ، ولم يختر سبيل الهدى ، وإن من يكتب الله تعالى عليه الضلالة – لا هادي له لأنه ارتكس في الشر ، ولم ينقذه الله تعالى منه ، لأنه اختاره ، ولذا قال تعالى:{ من يضلل الله فلا هادي له} ، أي من سار في طريق الغي ، حتى بلغ نهايته فقد أضله ، ومن كتب الله تعالى عليه الضلال فلا هادي له ؛ لأن الضلالة استمكنت في نفسه وتغلغلت في أطوائها ( 1 ){[1135]} ، فلا مدخل للنور في قلبه الذي ختم الله تعالى عليه .
وإن الله يتركه في ضلاله ، وقد قال تعالى:{ ويذرهم في طغيانهم يعمهون} ، أي يتركهم الله تعالى في{ طغيانهم} ، أي ظلمهم الطاغي الذي تجاوز كل حد ، فطغيانهم يكون ظلما لأنفسهم ، وظلما للناس وعتوا عليهم واستكبارا في الأرض ،{ يعمهون} ، أي يتحيرون ويترددون ، والتحير أو التردد ، هنا في موضعه ؛ لأنهم خالفوا الفطرة وقاوموها ، فهم في حرب معها ، وإذا كانت الحرب داخلية نفسية فإن الإنسان يكون في حيرة مستمرة بين فطرة تدعوه إلى ألا يطغى ولا يظلم ، وبين حال قائمة قصدها ، وهي ما عليه من طغيان وعتو ، والله – سبحانه – لطيف بعباده ، ولي لمن اهتدى ولم يخالف فطرته التي فطر الناس عليها .