( كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ ) .
كتاب خبر لمبتدأ محذوف أو خبر ( المص ) على نظر بعض الذين قالوا:انها اسم للسورة أو الكتاب والتنكير هنا لبيان شرفه العظيم أي انه كتاب بالغ الغاية في شرفه ورفعته ومؤداه لأنه منزل من عند الله تعالى العالم بكل شيء ، القادر على كل شيء العزيز الحكيم وقال:( أنزل اليك ) أي انه أنزل اليك وهو المعجزة التي تتحدى بها الخليقة أن ياتوا بسورة من مثله فلا ياتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .
والحرج الضيق وأن يحس بأن الناس يجب أن يؤمنوا فلا يؤمنوا كما قال تعالى:( لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين 3 ) ( الشعراء ) وكما قال تعالى:( فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا 6 ) ( الكهف ) . فحرص النبي صلى الله عليه وسلم على إجابة الكافرين كان يجعله في حرج نفسي ، إذا ان المؤمن بالحق يكون دائما حريصا على إجابة الناس له فإن لم يجيبوا ضاق بذلك صدره من غير مغاضبة ولا معاندة كما هو شان النبيين عليهم السلام وقد قال تعالى:( فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا انزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل 12 ) ( هود ) .
والمؤدى في كل هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يضيق من الإنكار لامر صادق لا مرية فيه فالله تعالى يبين له انه ليس عليه إلا الإنذار .
وقوله تعالى:( فلا يكن في صدرك حرج منه ) الفاء هنا لترتيب ما بعدها على ما قبلها والمعنى:هذا كتاب مبارك هاد مرشد ، منير للحق ، فإذا لم يجيبوا فلا يكن في صدرك ضيق فليس ذلك لنقص فيك أو فيه ، وإنما هو لنقص فيهم وقد أنذرتهم وحسبك ذلك وكفى .
وقد ذكر الله غاية الكتاب والرسالة فقال:( لتنذر به وذكرى للمؤمنين ) .
فالغاية من الكتاب الخالد أنه معجز بذاته ، ولتنذر به الذين يكفرون بان تبين بالكتاب عاقبة كفرهم وسوء النتيجة التي تنزل بهم ، وهي العذاب الأليم وليس عليك تبعة كفرهم إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ، وإنك لا تهد من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء .
هذا بالنسبة لمن لا يؤمن فهو لهم منذر مبين يحمل دليله في ذاته ، وبالنسبة للمؤمنين قال تعالى:( وذكرى للمؤمنين ) والذكرى هي التذكير الدائم ، فهذا الأمر ذكرى لكذا ، أي مذكر دائم مستمر يرجعون إليه والقرآن ذكرى دائمة فيه التذكير الدائم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم وفي تذكير بالشريعة لأن فيه كلياتها وفيه تذكير بالرسل أجمعين لأنه سجل معجزاتهم وفيه تذكير دائم بالله تعالى وهو العلي الحكيم وفيه الأوامر والنواهي ولذلك قال تعالى:( اتبعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ 3 ) .