( اتبعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ 3 ) .
إذا كان القرآن فيه ذكرى للمؤمنين وإنذار للكافرين فاتبعوا ما انزل اليكم من ربكم مما يشتمل عليه القرآن الكريم ، وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فما أمركم به فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوه فكل ما أمر به فقد أمر به الله ، فما كان ينطق عن الهوى ، ( من يطع الرسول فقد أطاع الله . . .80 ) ( النساء ) .
وقوله تعالى:( اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ) فيه إشارات بيانية:
الأولى:أن ما اسم موصول صلته أنزل اليكم من ربكم ، والصلة تكون سببا للحكم أو الأمر فاتبعوا ما جاء به القرآن والنبي . وسبب ذلك أنه أنزل من ربكم الذي هو أعلم بما فيه صلاحكم في الدنيا والآخرة لأنه ربكم الذي ذراكم وإليه مرجعكم .
الثانية:أن قوله ( اتبعوا ) فيه ملازمة لما أمر الله تعالى باقتفاء أثر النبي الذي أنزل اليه وأتباعه واتباعه اتباع لله تعالى:( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم . . .31 ) ( آل عمران ) .
الثالثة:قوله تعالى:( ما أنزل اليكم من ربكم ) فيه إشارة إلى أن فيه خيركم في الدنيا وفيه صلاحكم في الدنيا والآخرة وفيه إشعار بكمال ما كلفوه .
( ولا تتبعوا من دونه أولياء ) بعد الأمر بالاتباع للرسول فيما أنزل اليكم من ربكم كان النهي عن اتباع غيره فمعنى:( ولا تتبعوا من دونه أولياء ) أي غيره ، ممن يوسوسون بغير ما امر ، وتشمل كلمة أولياء ، كل من يامرون بغير أمر الله تعالى من الشياطين الذين يوسوسون بالشر فمن لم يتبع ما أنزل الله يتبع أولياء الشيطان وأن أولياء الشيطان يضلون ولا يهتدون وكذلك الحلفاء الذين يدعون إلى الشرك ويحرضون عليه ولا يناصرون على الخير ككبار المشركين ، أمثال أبي جهل وأبى لهب وغيرهما ممن كانوا يدعون إلى الشرك ويحرضون عليه ، وممن دون الله من أولياء الذين يجرون الى الأهواء وهكذا يكون اتباع ما انزل إليكم من ربكم هو الصراط المستقيم الذي قال تعالى فيه:( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله . . .153 ) ( الأنعام ) .
واتباع غير ما أنزل الله هو اتباع للسبل الضالة التي تتفرق بها عن الحق ، وفي قوله تعالى:( ولا تتبعوا من دونه أولياء ) تتضمن إشارة بيانية مؤداها ان قوله:( ولا تتبعوا من دونه أولياء ) النهي عن أن يتخذوا غير الله أولياء لهم فالله ولي المؤمنين كما قال تعالى:( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات الى النور والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور على الظلمات . . .257 ) ( البقرة ) ، ( قليلا ما تذكرون ) أي انه مع هذه البيانات ومع النهي المتوالي في القرآن عن اتخاذ غير الله أولياء لا تتذكرون الا قليلا وقليلا مفعول ل ( تذكرون ) و ( ما ) دالة على قلة التذكر . والمعنى قليلا أي قلة تتذكرون أوامر ربكم وتتعظون بعظاته ، (. . .إنما يتذكر أولوا الألباب 19 ) ( الرعد ) ويقول الله تعالى:( فذكر إن نفعت الذكرى 9 ) ( الأعلى ) .