وإن الله تعالى ذكر بالقرى التي كان هلاكها لعدم تذكرها ولنسيانها أمر الله تعالى فقال تعالت كلماته:( وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ 4 ) .
ان سنة الله تعالى أن يأتي بعذابه الدنيوي وهم لاهون غافلون وذلك لأن كفرهم يجعلهم في غفلة وينسون معه باس الله تعالى لأنهم يكفرون به ولا يؤمنون فياتيهم من حيث لا يحتسبون ولا يتوقعون وان ذلك كان شان كل الذين عتوا عن أمر ربهم ولذلك قال مذكرا من لم يتذكر الا بقارعات العذاب الذي ينزل بهم:( وكم من قرية أهلكناها فجاءها باسنا ) و ( كم ) هنا دالة على الكثرة من غير عدد . و ( من ) لعموم الاستغراق ولتأكيد معنى الكثرة والقرية المدينة الكبيرة ، لأنها تقرى الناس وتجمعهم فيها ، البأس هنا العذاب الشديد أو الهلاك كما جاء لقوم لوط ولقوم هود ولقوم شعيب والبيات الليل ومعنى ( بياتا ) وهم بائتون والمعنى:وكثير من القرى أهلكناها فجاءها عذابنا بياتا ( او هم قائلون ) أي نائمون في القيلولة من شدة الحر ، أو مسترحون .
وان المراد أنهم يحسبون أنهم في أمن واطمئنان فياتيهم العذاب بغتة وهم لا يشعرون .
وإن هذه سنة الله تعالى في الكافرين يمهلهم ويجيئهم العذاب في مأمنهم ، ولقد قال تعالى في ذلك:( أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَآئِمُونَ 97أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ 98 ) ( الأعراف ) كما قال:( فأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو ياتيهم العذاب من حيث لا يشعرون 45 أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين 46 أو يأخذهم على تخوف فان ربكم لرءوف رحيم 47 ) ( النحل ) .
وهكذا تكاثرت آيات الله تعالى في كتابه العزيز تنبئ بأن الله تعالى يقصم الظالمين وهم في غفلة ساهون حتى إذا أخذهم رأوا الويل .
وان ذلك فيه إنذار للعرب بأنهم لا يصح لهم أن يؤمنوا مكر الله ، وإنه نازل بهم لا محالة ، وإذا كان أمهلهم فلم ينزل بهم مثل ما نزل بغيرهم فلأن الرسالة اليهم خالدة وأنها ليست لهم وحدهم وانما هي للأجيال كلها ، وان ما ينزل بهم يكون بتوفيق الله لنبيه بعمل بشرى ينتصر به عليهم ، أو بريح صرصر عاتية تهزمهم ولا تمحوهم .