{بَأْسُنَا}: قال الراغب: البؤس والبأس والبأساء: الشدّة والمكروه ،إلا أن البؤس في الفقر والحرب أكثر ،والبأس والبأساء في النكاية[ 3] ،وقال غيره: يطلق البأس على الشجاعة والقوة وعلى الضرر والحرج ؛والمراد به هنا العذاب .
{بَيَاتاً}: أصل البيت مأوى الإنسان في الليل ،والبيات والتبييت قصد العدو ليلاً .
{قَآئِلُونَ}: نائمون في النهار ،من القيلولة .
{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَآءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} وهذه صورة من صور الإنذار في ما ينزله الله من العقاب على الناس الذين يتمردون على رسالاته ،ويكذبون رسله ،ويفسدون في الأرض .إنها الصورة التاريخية الحيّة التي تتلاحق فيها المواقع التي كانت مسرحاً للظلم والطغيان والكفر والعصيان .من قريةٍ إلى قرية ،ومن مدينةٍ إلى مدينة ...كيف دمرها الله بعذابه ،وكيف أهلكها بقوته ،من خلال الوسائل غير الطبيعية التي كانت تتحرك بطريقةٍ غيبيّة ،في ما حدثنا الله عن قوم نوحٍ وعن قوم لوطٍ وشعيب وغيرهم ...أو من خلال الوسائل الطبيعية ،التي كانت تتحرك بطريقةٍ عاديةٍ في ما تتمخض عنه الانحرافات في داخل الحياة الاجتماعية أو السياسية أو الاقتصادية أو الأخلاقية ..أو في ما تتحرك به الأوضاع الطبيعية من الزلازل والفيضانات والبراكين وما إلى ذلك ،مما يتمثل فيه بأس الله الذي كان يحدث في حالة البيات في الليل عندما يعيش هؤلاء الاسترخاء في منامهم ،أو في حالة القيلولة عند الظهر عندما يستسلمون للراحة والنوم ،للتّخفّف من عناء اليوم وتعبه ...وربما كان التأكيد على هذين الوقتين باعتبار أن الإنسان يحس بالصدمة العنيفة في مثل هذه الحال ،بمقدار ما تمثل من مفاجأة مذهلة ،لأنه لا يكون على استعدادٍ نفسي لمواجهة ذلك ،بينما لا تكون القضية بهذه المثابة في حالة الحركة التي يبدو فيها مستعداً لكل شيء .
فكيف يواجهون هذا الواقع ؟لا شيء إلا الاعتراف بأنهم ظلموا أنفسهم حين كفروا بالله وعصوه ،وظلموا الناس حين تمردوا وتجبّروا عليهم .ولعل التعبير بقوله:{وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} يوحي بأن سقوط الحضارات وهلاك الأمم الظالمة هو من السنن الإلهية التاريخية المطردة ،باعتبار أن الظلم الفكري والعملي ينحرف بالحياة عن مسارها الطبيعي وهو العدل ،وينحرف بالإنسان عن خط التوازن في الحركة والعلاقات ،مما يؤدّي إلى الانحلال والتمزق الداخلي والخارجي على صعيد الفرد والمجتمع ،فلا يبقى هناك أي موقع للتماسك الإنساني ،فينتهي به إلى السقوط والانهيار الحضاري .
ولكن ما فائدة ذلك ؟!إن الله لا يقبل الاعتراف القادم في لحظات الموت ،ومعاينة العذاب ،لأنه لا يمثل الإرادة الحرة المتحركة في خط القناعة الوجدانية في ضوء الدليل والبرهان ...إنها حالة هروب من الواقع ،وليست حالة اعتراف وندم .