القول في تأويل قوله:اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3)
قال أبو جعفر:يقول جل ثناؤه لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:قل، يا محمد، لهؤلاء المشركين من قومك الذين يعبدون الأوثان والأصنام:اتبعوا، أيهاالناس، ما جاءكم من عند ربكم بالبينات والهدى, واعملوا بما أمركم به ربكم, ولا تتبعوا شيئًا من دونه = يعني:شيئًا غير ما أنـزل إليكم ربكم. يقول:لا تتبعوا أمر أوليائكم الذين يأمرونكم بالشرك بالله وعبادة الأوثان, فإنهم يضلونكم ولا يهدونكم.
* * *
فإن قال قائل:وكيف قلت:"معنى الكلام:قل اتبعوا ",وليس في الكلام موجودًا ذكرُ القول؟
قيل:إنه وإن لم يكن مذكورًا صريحًا, فإن في الكلام دلالة عليه, وذلك قوله:فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ, ففي قوله:"لتنذر به "، الأمر بالإنذار, وفي الأمر بالإنذار، الأمرُ بالقول، لأن الإنذار قول. فكأن معنى الكلام:أنذر القومَ وقل لهم:اتبعوا ما أنـزل إليكم من ربكم.
ولو قيل معناه:لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم:اتبعوا ما أنـزل إليكم = كان غير مدفوع.
* * *
وقد كان بعض أهل العربية يقول:قوله:(اتبعوا)، خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم , ومعناه:كتاب أنـزل إليك, فلا يكن في صدرك حرج منه, اتبع ما أنـزل إليك من ربك = ويرى أن ذلك نظير قول الله:يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ[سورة الطلاق:1]، إذ ابتدأ خطابَ النبي صلى الله عليه وسلم , ثم جعل الفعل للجميع, إذ كان أمر الله نبيه بأمرٍ، أمرًا منه لجميع أمته, كما يقال للرجل يُفْرَد بالخطاب والمراد به هو وجماعة أتباعه أو عشيرته وقبيلته:"أما تتقون الله، أما تستحيون من الله!"، ونحو ذلك من الكلام. (5)
وذلك وإن كان وجهًا غير مدفوع, فالقولُ الذي اخترناه أولى بمعنى الكلام،لدلالة الظاهر الذي وصفنا عليه.
* * *
وقوله:(قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ)، يقول:قليلا ما تتعظون وتعتبرون فتراجعون الحق. (6)
------------------
الهوامش:
(5) انظر معاني القرآن للفراء 1:371 ، فهذه مقالته .
(6) انظر تفسير (( التذكر )) فيما سلف 11:489 ، تعليق 3 ، والمراجع هناك .