ولقد فصل الله تعالى القول في عذاب الكافرين المكذبين لآيات الله تعالى:{ لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين ( 41 )} .
المهاد:المكان الممهد للإقامة فيه ، كما قال تعالى:{ أم نجعل الأرض مهادا ( 6 ) والجبال أوتادا ( 7 )} ( النبأ ) ، وكما قال تعالى:{ والله جعل لكم الأرض بساطا ( 19 )} ( نوح ) .
وأحسب أن التعبير عن جهنم بأن لهم مهاد منها فيه نوع تهكم ، أي أنه تعالى مهد لهم جهنم بذل الراحة التي كانت لهم في الدنيا ، بتمهيد الأرض يتمتعون من خيراتها .
وغواش ، جمع غاشية وهي الغطاء ، وغطاؤهم هنا نار موقدة ، فبعد أن كانوا يلتحفون بالرياش ، ويفترشون الوسائد ، صار مهادهم جهنم ، وغطاؤهم نار مشتعلة تشتعل عليهم ،{. . . . . . . كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب . . . . . . . . . . . ( 56 )} ( النساء ) .
وخلاصة المعنى أن مهادهم أو فراشهم نار ، وغطاؤهم نار ، والنار تحيط بهم يلتفون فيها وتشوى بها جباههم وجنوبهم ، وكل أجسادهم ، ولا منفذ منها إلا إليها ، ولذا قال تعالى:{ وكذلك نجزي الظالمين} .
أي كهذا الجزاء الذي جازى الله تعالى به الذين كذبوا بآياته واستكبروا ، شأن الله تعالى في جزاء الظالمين ، فهو العادل القادر الذي لا يظلم أحدا .
والتعبير هنا بالظالمين ، وفي الآية السابقة بالمجرمين ؛ لأن الوصفين متحققان فيهما فهم أجرموا في حق المجتمع فأفسدوه ، و ظلموا أنفسهم ، و ظلموا الحقائق بما ارتكبوا من معاص ، وتعدوا الحدود ، ومن تعدى حدود الله فقد ظلم نفسه ، وكان ما ينزل بهم يوم القيامة جزاء وفاقا لما ارتكبوا ، والله تعالى يتغمدنا بعطفه ومغفرته .