وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 42 ) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ( 43 ) وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ( 44 ) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ ( 45 )
وبعد أن بين – سبحانه وتعالى – ما ينزل بالمشركين أو الكافرين ، عموما أخذ – سبحانه وتعالى – يبين في مقابله ما يناله المؤمنون من جنة ونعيم مقيم ، وروح وريحان وزوال للأحقاد وغل للأنفس ، وذلك نعيم فوق كل نعيم ، ولذا قال تعالى:{ والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( 42 )} الواو هنا عاطفة ، عكفت جزاء الصالحين على جزاء الكافرين من مشركين وكتابيين وصابئين ومجوس وغيرهم من براهمة وبوذيين .
وبالموازنة بين الجزاءين ، يتبين الفرق بينهما في الآخرة كالفرق بينهما في الحياة الدنيا ، فجزاء الآخرة هو ثمرة ما وقع في الدنيا ، إن خيرا فخيرا .
وصف الله تعالى المؤمنين بوصفين هما صلة الموصول ، الأول بقوله تعالى:{ آمنوا} أي اعتقدوا اعتقادا جازما مع الإذعان لكل ما طالب به الله تعالى ، وأحبوا الله تعالى ، وقدموا أنفسهم له سبحانه:
الوصف الثاني:ما عبر عنه – سبحانه وتعالى:{ وعملوا الصالحات} أي كانت ثمرة إيمانهم واضحة في انهم صاروا صالحين والصلاح وصف يقتضي أن يكون نافعا ، وصالحا في ذات نفسه ، ليس في قلبه فساد ، ولا يسيطر عليه هواه ، وأن يقوم بالعمل الصالح من طاعة لله تعالى في أوامره ونواهيه ، فلا يعصى الله تعالى ، ولا يرتكب ما نهاه عنه ، زلا يتخاذل عن القيام بما أمر به .
ولا تجد في آيات الذكر الحكيم ذكر جزاء المؤمنين إلا كان هذان الوصفان الإيمان والعمل الصالح مذكورين معا فإن العمل ثمرة الإيمان ، وغصونه ، والشجرة تتغذى من الغصون ، كما تتغذى من الجذر ، فالعمل يثبت الإيمان ، ويغذيه ويقويه .
وقد ذكر – سبحانه وتعالى – الجزاء ، وهو خبر الموصول ، فقال:{ أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون} الإشارة إلى المتصفين بهاتين الصفتين ، وهما صلة الموصول ، وذكرهما دليل على أنهما سبب هذا الاستحقاق ، وقد أكد الله تعالى استحقاق الذين آمنوا وعملوا الصالحات للجنة بقصرها عليهم ، وذلك بتعريف الطرفين ، وبضمير الفصل ( هم ) فهم أصحابها الملازمون لها ، وأكدها لهم بخلودهم فيها ، والله تعالى ذو المن والإكرام .
وقد ذكرت جملة معترضة بين متلازمين ، وهما المبتدأ في قوله تعالى:{ والذين آمنوا} ، والخبر في قوله تعالى:{ أولئك أصحاب الجنة} .
وكانت هذه الجملة التي توسطت بين هذين المتلازمين هي قوله تعالى:{ لا نكلف نفسا إلا وسعها} والوسع هو ما يمكن عمله بيسر وسهولة ، كما فسر بذلك معاذ بن جبل – رضي الله تعالى عنه ، والمعنى لا يكلف الله تعالى نفسا مؤمنة ، واعتراض بهذه الجملة السامية بعد كلمة ( الصالحات ) ، لبيان أن القيام بالتكليفات الإسلامية سهل ميسر ، وليس شاقا إلا على من عصى الله تعالى ، فهو سهل في ذاته ، لمن تكون له إرادة ، لم يخالطها الهوى ، ولم تسيطر عليها الشهوة ،وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:( بشروا ولا تنفروا ، ويسروا ولا تعسروا ) ( 1 ){[1101]} .
ولقد روت عائشة – رضي الله عنها:( ما خير النبي صلى اله عليه وآله وسلم بين أمرين إلا اختبار أيسرهما ما لم يكن معصية ) ( 2 ){[1102]} .
وإن الله تعالى أنعم على المؤمنين يوم القيامة بهذا النعيم المقيم ، وأنعم عليهم مع ذلك بنعمة المحبة ، والرضا واطمئنان النفس ؛ ولذا قال تعالى:{ ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} .
إن الجنة مكان طاهر مطهر اختاره الله تعالى سكنا لعباده الأتقياء الأطهار ، وإنه في مقامه لأطيب من أحب مسكن يختاره في الدنيا ، كما ورد في الأثر .