أُعقب الإنذار والوعيد للمكذّبين ،بالبشارة والوعد للمؤمنين المصدّقين على عادة القرآن في تعقيب أحد الغرضين بالآخر .
وعُطف على:{ الذين كذبوا بآياتنا}[ الأعراف: 40] أي: وإنّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحات إلخ ،لأنّ بين مضمون الجملتين مناسبة متوسّطة بين كمال الاتّصال وكمال الانقطاع ،وهو التّضاد بين وصف المسندِ إليهما في الجملتين ،وهو التّكذيب بالآيات والإيمانُ بها ،وبين حكم المسنَدَيْن وهو العذابُ والنّعيم ،وهذا من قبيل الجامع الوهمي المذكور في أحكام الفصل والوصل من عِلم المعاني .
ولم يذكر متعلِّقٌ ل{ آمنوا} لأنّ الإيمان صار كاللّقب للإيمان الخاص الذي جاء به دين الإسلام وهو الإيمان بالله وحده .
واسم الإشارة مبتدأ ثان ،و{ أصحاب الجنّة} خبره والجملة خبر عن{ الذين آمنوا} .وجملة{ لا نكلف نفساً إلا وسعها} معترضة بين المسند إليه والمسند على طريقة الإدماج .وفائدة هذا الإدماج الارتفاق بالمؤمنين ،لأنّه لمّا بشّرهم بالجنّة على فعل الصّالحات أطْمن قلوبهم بأن لا يُطلبوا من الأعمال الصّالحة بما يخرج عن الطّاقة ،حتّى إذا لم يبلغوا إليه أيسوا من الجنّة ،بل إنّما يُطلبون منها بما في وسعهم ،فإنّ ذلك يرضي ربّهم .
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه ،أنّه قال ،في هذه الآية ،إلاّ يُسرها لا عُسْرها أي قاله على وجه التّفسير لا أنّه قراءة .
والوُسْع تقدّم في قوله تعالى:{ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها} في سورة البقرة ( 286 ) .
ودلّ قوله:{ أولئك أصحاب الجنة} على قصر ملازمة الجنّة عليهم ،دون غيرهم ،ففيه تأييس آخر للمشركين بحيث قويت نصيّة حرمانهم من الجنّة ونعيمها ،وجملة:{ هم فيها خالدون} حال من اسم الإشارة في قوله:{ أولئك أصحاب الجنة} .